فصل: الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بَابُ دَعْوَى الْوَلَدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا تَدَاعَى الْحُرُّ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمَانِ‏,‏ وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ‏,‏ وَالْعَبْدُ مَوْلُودًا وُجِدَ لَقِيطًا فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ كَمَا لاَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ فِيمَا تَدَاعَوْا فِيهِ مِمَّا يَمْلِكُونَ فَتَرَاهُ الْقَافَةُ فَإِنْ أَلْحَقُوهُ بِأَحَدِهِمْ فَهُوَ ابْنُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ‏,‏ وَلاَ لِلْمَوْلُودِ أَنْ يَنْتَفِيَ مِنْهُ بِحَالٍ أَبَدًا‏,‏ وَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَافَةٌ أَوْ كَانَتْ فَلَمْ تَعْرِفْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إلَى أَيِّهِمْ شَاءَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَتْ دَعْوَى الْآخَرِينَ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لِلَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَهُ‏,‏ وَهُوَ حُرٌّ فِي كُلِّ حَالاَتِهِ بِأَيِّهِمْ لَحِقَ لِأَنَّ اللَّقِيطَ حُرٌّ‏,‏ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ حُرًّا إذَا غَابَ عَنَّا مَعْنَاهُ لِأَنَّ أَصْلَ النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُمْ غَيْرُ أَحْرَارٍ‏,‏ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ هُوَ ابْنِي مِنْ أَمَةٍ نَكَحْتهَا لَمْ يَكُنْ بِهَذَا رَقِيقًا لِرَبِّ الْأَمَةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الْأُمَّةَ وَلَدَتْهُ‏,‏ وَلاَ يُجْعَلُ إقْرَارُ غَيْرِهِ لاَزِمًا لَهُ‏,‏ وَيَكْفِي الْقَائِفُ الْوَاحِدُ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ حُكْمٍ بِعِلْمٍ لاَ مَوْضِعُ شَهَادَةٍ‏,‏ وَلَوْ كَانَ إنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الشَّهَادَاتِ مَا أَجَزْنَا غَيْرَ اثْنَيْنِ‏,‏ وَلاَ أَجَزْنَا شَهَادَةَ اثْنَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى مَا لَمْ يَحْضُرَا‏,‏ وَلَمْ يَرَيَا‏,‏ وَلَكِنَّهُ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ الْعَالِمِ يُنْفِذُهُ كَمَا يُنْفِذُ هَذَا‏,‏ وَلاَ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ‏,‏ وَلاَ يَقْبَلُ الْقَائِفَ الْوَاحِدَ حَتَّى يَكُونَ أَمِينًا‏,‏ وَلاَ أَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونُوا أُمَنَاءَ أَوْ بَعْضَهُمْ فَإِذَا أَحْضَرْنَا الْقَائِفَ وَالْمُتَدَاعِيَيْنِ لِلْوَلَدِ أَوْ ذَوِي أَرْحَامِهِمْ إنْ كَانَ الْمُدَّعُونَ لَهُ مَوْتَى أَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُدَّعِينَ لَهُ مَيِّتًا فَأَحْضَرْنَا ذَوِي رَحِمِهِ أَحْضَرْنَا احْتِيَاطًا أَقْرَبَ النَّاسِ نَسَبًا‏,‏ وَشَبَهًا فِي الْخَلْقِ‏,‏ وَالسِّنِّ‏,‏ وَالْبَلَدِ بِالْمُدَّعِينَ لَهُ ثُمَّ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرْنَا الْقَائِفَ يُلْحِقُهُ بِأَبِيهِ أَوْ أَقْرَبِ النَّاسِ بِأَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ أُمٌّ أَحْضَرْنَا لَهَا نَسَبًا فِي الْقُرْبِ مِنْهَا كَمَا وَصَفْت ثُمَّ بَدَأْنَا فَأَمَرْنَا الْقَائِفَ أَنْ يُلْحِقَهُ بِأُمِّهِ لِأَنَّ لِلْقَائِفِ فِي الْأُمِّ مَعْنًى‏,‏ وَلِكَيْ يَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى صَوَابِهِ فِي الْأَبِ إنْ أَصَابَ فِيهَا‏.‏ وَيَسْتَدِلُّ عَلَى غَيْرِهِ إنْ أَخْطَأَ فِيهَا فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي الْقَافَةِ فَقَالَ الْقَافَةُ بَاطِلٌ فَذَكَرْنَا لَهُ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ‏,‏ وَنَظَرَ إلَى أَقْدَامِ أُسَامَةَ‏,‏ وَأَبِيهِ زَيْدٍ‏,‏ وَقَدْ غَطَّيَا وُجُوهَهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فَحَكَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ مَسْرُورًا بِهِ‏}‏ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا حُكْمٌ فَقُلْنَا إنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكْمٌ فَإِنَّ فِيهِ دَلاَلَةً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِيَهُ‏,‏ وَرَآهُ عِلْمًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا مَا سَرَّهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَنَهَاهُ أَنْ يَعُودَ لَهُ فَقَالَ إنَّك‏,‏ وَإِنْ أَصَبْت فِي هَذَا فَقَدْ تُخْطِئُ فِي غَيْرِهِ قَالَ فَهَلْ فِي هَذَا غَيْرُهُ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ شَكَّ فِي ابْنٍ لَهُ فَدَعَا الْقَافَةَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا وَلَدًا فَدَعَا لَهُ عُمَرُ الْقَافَةَ فَقَالُوا قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَالِ أَيَّهُمَا شِئْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ فَإِنَّا لاَ نَقُولُ بِهَذَا‏,‏ وَنَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ هُوَ ابْنُكُمَا تَرِثَانِهِ‏,‏ وَيَرِثُكُمَا‏,‏ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا قُلْت فَقَدْ رَوَيْت عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا الْقَافَةَ فَزَعَمْت أَنَّك لاَ تَدْعُو الْقَافَةَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْك فِي شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْنَا إلَّا أَنَّك رَوَيْت عَنْ عُمَرَ شَيْئًا فَخَالَفْته فِيهِ كَانَتْ عَلَيْك قَالَ قَدْ رَوَيْت عَنْهُ أَنَّهُ ابْنُهُمَا‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا رَوَيْتُمْ قُلْنَا‏,‏ وَأَنْتَ تُخَالِفُ أَيْضًا هَذَا قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَصِيرُوا إلَى الْقَوْلِ بِهِ‏؟‏ قُلْنَا هُوَ لاَ يَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِ هِشَامٍ مُتَّصِلٌ‏,‏ وَالْمُتَّصِلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا‏,‏ وَعِنْدَك مِنْ الْمُنْقَطِعِ‏.‏ وَإِنَّمَا هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ‏,‏ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ‏,‏ وَعُرْوَةُ أَحْسَنُ مُرْسَلاً عَنْ عُمَرَ مِمَّنْ رَوَيْت عَنْهُ قَالَ فَأَنْتَ تُخَالِفُ عُمَرَ فِيمَا قَضَى بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْنَ اثْنَيْنِ قُلْت فَإِنَّك زَعَمْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى بِهِ إذْ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا قَضَاءُ الْأَمْوَالِ قَالَ كَذَلِكَ قُلْت‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ قُلْت فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ‏,‏ وَالْعَبْدَ الْمُسْلِمَ‏,‏ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَوْا وَلَدًا جَعَلْته لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِلْإِسْلاَمِ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ إذَا تَدَاعَيَا وَلَدًا كَانَ لِلذِّمِّيِّ لِلْحُرِّيَّةِ فَزَعَمْت أَنَّك تَجْعَلُهُ مَرَّةً لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْلاَمِ‏,‏ وَالْآخَرُ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْإِسْلاَمِ‏,‏ وَتَجْعَلُهُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ دُونَ الْإِسْلاَمِ‏,‏ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلاَءِ لَوْ تَدَاعَوْا مَالاً جَعَلْته سَوَاءً بَيْنَهُمْ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَمْوَالِ‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حُكْمِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفْته بِمَا وَصَفْنَا

‏(‏قَالَ‏)‏ فَإِنَّا إنَّمَا قُلْنَا هَذَا عَلَى النَّظَرِ لِلْمَوْلُودِ‏.‏ قُلْنَا‏,‏ وَتَقُولُ قَوْلاً لاَ قِيَاسًا‏,‏ وَلاَ خَبَرًا ثُمَّ تَقُولُهُ مُتَنَاقِضًا أَرَأَيْت لَوْ أَجَازُوا لَك أَنْ تَقُولَهُ عَلَى أَنْ تَنْظُرَ لِلْمَوْلُودِ فَحَيْثُ كَانَ خَيْرًا لَهُ أَلْحَقْته فَتَدَاعَاهُ خَلِيفَةٌ أَوْ أَشْرَفُ النَّاسِ نَسَبًا‏,‏ وَأَكْثَرُهُمْ مَالاً‏,‏ وَخَيْرُهُمْ دِينًا وَفِعَالاً‏,‏ وَشَرُّ مَنْ رَأَيْت بِعَيْنِك نَفْسًا‏,‏ وَنَسَبًا‏,‏ وَعَقْلاً‏,‏ وَدِينًا‏,‏ وَمَالاً

‏(‏قَالَ‏)‏ إذًا أَجْعَلُهُمْ فِيهِ سَوَاءً‏؟‏ قُلْنَا فَلاَ نَسْمَعُ قَوْلَك قَضَيْت بِهِ عَلَى النَّظَرِ لَهُ مَعْنًى لِأَنَّك لَوْ كُنْت تُثْبِتُ عَلَى النَّظَرِ لَهُ أَلْحَقْته بِخَيْرِهِمَا لَهُ‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏ فَقَدْ يَصْلُحُ هَذَا‏,‏ وَيَكْثُرُ مَالُهُ‏,‏ وَيَفْسُدُ هَذَا‏,‏ وَيَقِلُّ مَالُهُ قُلْنَا‏,‏ وَكَذَلِكَ يَعْتِقُ الْعَبْدُ‏,‏ وَيُسْلَمُ الذِّمِّيُّ حَتَّى يَكُونَا خَيْرًا مِنْ الَّذِي قَضَيْت لَهُ بِهِ

‏(‏قَالَ‏)‏ فَأَيْنَ خَالَفْته فِيهِ فِي سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ‏؟‏ قُلْت زَعَمْت أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رحمه الله تعالى قَالَ‏:‏ أَقْضِي بِهِ لِلِاثْنَيْنِ بِالْأَثَرِ‏,‏ وَثَلاَثَةٍ لِأَنَّ ثَلاَثَةً فِي مَعْنَى اثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَصَاعِدًا لَمْ أَقْضِ بِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ

‏(‏قَالَ‏)‏ فَهَذَا خَطَأٌ كُلُّهُ‏,‏ وَقَدْ تَرَكْته‏.‏ قُلْنَا فَقُلْ مَا شِئْت‏:‏ قَالَ فَازْعُمْ أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ سَوَاءٌ فَأَقْضِي لَهُمْ بِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا كَمَا يُقْضَى بِالْمَالِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا فَمَا تَقُولُ إنْ مَاتَ الْمَوْلُودُ لِمِائَةِ قِيَام‏؟‏ قَالَ يَرِثُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ لِأَنَّ كَذَلِكَ أُبُوَّتَهُمْ فِيهِ‏.‏ قُلْنَا فَمَا تَقُولُ إنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْآبَاءِ‏؟‏ قَالَ فَيَرِثُهُ مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ قُلْت‏,‏ وَكَيْفَ يَكْمُلُ لَهُ مِيرَاثُ ابْنٍ‏,‏ وَإِنَّمَا لَهُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ أُبُوَّتِهِ فَتُوَرِّثُهُ بِغَيْرِ الَّذِي يُوَرَّثُ مِنْهُ‏,‏ وَإِنَّمَا وَرَّثَ الْمُسْلِمُونَ الْأَبْنَاءَ مِنْ الْآبَاءِ كَمَا وَرَّثُوا الْآبَاءَ‏.‏ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا مَاتَ كَانَ ابْنُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ أَبًا ثُمَّ لَمْ تَرِثْهُ بَنَاتُ الْمَيِّتِ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ أَخًا‏,‏ وَلَمْ يَرِثْهُ بَنُو الْمَيِّتِ بِأَنَّهُمْ أَخَوَاتُهُ فَكَيْفَ جَعَلْته أَبًا إلَى مُدَّةٍ‏,‏ وَمُنْقَطِعَ الْأُبُوَّةِ بَعْدَ مُدَّةٍ‏؟‏ هَلْ رَأَيْت هَكَذَا مَخْلُوقًا قَطُّ‏؟‏ قَالَ اتَّبَعْت فِيهِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا‏.‏ قُلْنَا لَيْسَ هُوَ عَنْ عُمَرَ بِثَابِتٍ كَمَا وَصَفْت‏.‏ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَك إذَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ أَوْلاَهُمَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ‏.‏ وَالْقِيَاسُ وَالْمَعْقُولُ عِنْدَنَا‏,‏ وَعِنْدَك عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ ابْنَ اثْنَيْنِ‏,‏ وَلاَ يَرِثُ اثْنَيْنِ بِالْأُبُوَّةِ وَعُمَرُ‏,‏ وَلَوْ قَالَ مَا قُلْت هُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا فَقَطَعَ أُبُوَّةَ الْمَيِّتِ لَمْ يُوَرِّثْ الِابْنَ مِنْهُ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ يَقْطَعُ أُبُوَّةَ الْمَيِّتِ كَانَتْ الْأُبُوَّةُ مُنْقَطِعَةً‏,‏ وَلاَ مِيرَاثَ‏,‏ وَلَوْ وَرِثَهُ لَمْ يُوَرِّثْهُ إلَّا كَمَا كَانَ مَوْرُوثًا الْأَبُ مِنْ الِابْنِ‏.‏ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءَ لاَ كَامِلاً‏,‏ وَقُلْت لَهُ‏,‏ وَهَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ مِنْ الْمِائَةِ وَاحِدٌ حَتَّى يَبْقَى أَبٌ وَاحِدٌ قَالَ نَعَمْ أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ هَذَا مَنْ لَمْ يَنْظُرْ فِي عِلْمٍ قَطُّ فَزَعَمَ أَنَّ مَوْلُودًا مَرَّةً ابْنُ مِائَةٍ وَمَرَّةً ابْنُ وَاحِدٍ‏,‏ وَفَرْقٌ مَا بَيْنَ الْمِائَةِ وَالْوَاحِدِ أَمَا تَقُولُ لَهُ مَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّك لاَ تَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ تَقُولُ قَالَ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قُلْتُمْ‏,‏ وَأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا‏,‏ وَلَكِنَّا تَبِعْنَا فِيهِ الْأَثَرَ‏,‏ وَلَيْسَ فِي الْأَثَرِ إلَّا الِانْقِيَادُ‏.‏ قُلْنَا فَالْأَثَرُ كَمَا قُلْنَا لِأَنَّك لاَ تُخَالِفُنَا فِي أَنَّ الْمَوْصُولَ أَثْبَتُ مِنْ الْمُنْقَطِعِ‏,‏ وَأَثَرُنَا فِيهِ مَوْصُولٌ‏.‏ وَلَوْ كَانَا مُنْقَطِعَيْنِ مَعًا كَانَ أَصْلُ قَوْلِك‏,‏ وَقَوْلِنَا إنَّ الْحَدِيثَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا ذَهَبْنَا إلَى أَشْبَهِهِمَا بِالْقِيَاسِ‏.‏ وَقَدْ خَالَفْت عُمَرَ فِي حَدِيثِ نَفْسِك مِنْ حَيْثُ وَصَفْنَا مَعَ أَنَّك تُخَالِفُ عُمَرَ لِقَوْلِ نَفْسِك فِيمَا هُوَ أَلْزَمُ لَك أَنْ تَتَّبِعَهُ مِنْ هَذَا ثُمَّ عَدَدْت عَلَيْهِ أَشْيَاءَ يُخَالِفُ فِيهَا قَوْلَ عُمَرَ لِغَيْرِ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَإِنَّ لِي عَلَيْك مَسْأَلَةً فِيهَا قُلْت قَدْ فَرَغْنَا مِنْ الَّذِي عَلَيْنَا فَأَثْبَتْنَا لَك عَنْ عُمَرَ قَوْلِنَا‏,‏ وَزَعَمْت أَنَّهُ الْقِيَاسُ قَالَ فَهَلْ لَك حُجَّةٌ غَيْرُهُ‏؟‏ قُلْنَا مَا ذَكَرْنَا فِيهِ كِفَايَةٌ‏.‏ قَالَ فَقَدْ قِيلَ إنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ‏}‏ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَبَوَيْنِ فِي الْإِسْلاَمِ‏,‏ وَاسْتَدَلَّ بِسِيَاقِ الآيَةِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ قَالَ فَتَحْتَمِلُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ هَذَا قَالَ فَلَكَ بِهِ حُجَّةٌ تَثْبُتُ قُلْنَا أَمَا حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَقُولَ هُوَ هَكَذَا غَيْرُ شَكٍّ فَلاَ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ غَيْرَهُ‏,‏ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ يَلْزَمُ قَوْلُهُ‏.‏ وَلَكِنَّهُ إذَا كَانَ يَحْتَمِلُ‏,‏ وَكَانَ مَعْنَى الْإِجْمَاعِ أَنَّ الِابْنَ إذَا وَرِثَ مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ فَكَذَلِكَ يَرِثُهُ الْأَبُ مِيرَاثَ أَبٍ كَامِلٍ لَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت إذَا دَعَوْت الْقَافَةَ لِوَلَدِ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا رَجُلاَنِ بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَتَدْعُو لَهَا الْقَافَةَ‏؟‏ قُلْت نَعَمْ فَإِنْ قَالَ‏,‏ وَمِنْ أَيْنَ‏؟‏ قُلْنَا الْخَبَرُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا الْقَافَةَ لِوَلَدِ امْرَأَةٍ لَيْسَ فِيهِ حُرَّةٍ‏,‏ وَقَدْ تَكُونُ فِي إبِلِ أَهْلِهَا‏,‏ وَهِيَ حُرَّةٌ لِأَنَّ الْحَرَائِرَ يَرْعَيْنَ عَلَى أَهْلِهِنَّ‏,‏ وَتَكُونُ فِي إبِلِ أَهْلِهَا‏,‏ وَهِيَ أَمَةٌ‏,‏ وَلَوْ كَانَ إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَافَةِ فِي ابْنِ أَمَةٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ فِي ابْنِ الْحُرَّةِ فَإِنْ قَالَ‏,‏ وَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا إذَا مَيَّزْنَا بَيْنَ النَّسَبِ وَالْأَمْوَالِ فَجَعَلْنَا الْقَائِفَ شَاهِدًا أَوْ حَاكِمًا أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا مَعًا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ابْنِ الْحُرَّةِ كَمَا يَشْهَدُ عَلَى ابْنِ الْأَمَةِ‏,‏ وَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي ابْنِ الْحُرَّةِ كَهُوَ فِي ابْنِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ‏,‏ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنٌ بِوَطْءِ الْحَلاَلِ‏,‏ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ‏,‏ وَمَنْفِيٌّ بِوَطْءِ الزِّنَا‏.‏ أَفَرَأَيْت لَوْ لَمْ نَدْعُ الْقَافَةَ لِابْنِ الْحُرَّةِ فَوَطِئَهَا رَجُلاَنِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَمْ يُعْرَفْ أَيُّهُمَا وَطِئَهَا أَوَّلاً أَوْ لَيْسَ إنْ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُمَا أَوْ نَفَيْنَاهُ عَنْهُمَا أَلَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْنَا مَا عِبْنَاهُ عَلَى غَيْرِنَا فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا‏؟‏ وَلَوْ عَلِمْنَا أَيُّهُمَا كَانَ‏,‏ وَطِئَهَا أَوَّلاً فَجَعَلْنَاهُ لَهُ أَوْ لِلْآخَرِ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ دَخَلَ عَلَيْنَا أَنَّا نَقُولُهُ غَيْرَ قِيَاسٍ‏,‏ وَلاَ خَبَرٍ‏,‏ وَإِذَا كَانَتْ حُجَّتُهُمَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَمْ تَجْعَلْهُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ‏,‏ وَلَكِنَّا لَمْ نَحْكُمْ فِيهِ حُكْمَ الْأَمْوَالِ‏,‏ وَلاَ حُكْمَ الْأَنْسَابِ‏,‏ وَافْتَعَلْنَا فِيهَا قَضَاءً مُتَنَاقِضًا لِأَنَّا إنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ‏,‏ وَحُكْمِ الْأَنْسَابِ بِالْقَافَةِ‏,‏ وَإِذَا أَبْطَلْنَا الْقَافَةَ فِي مَوْضِعٍ كُنَّا قَدْ خَرَجْنَا مِنْ أَصْلِ مَذْهَبِنَا فِي الْقَافَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا الْتَقَطَ مُسْلِمٌ لَقِيطًا فَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ لِأَبَوَيْهِ دِينٌ غَيْرُ دِينِ الْإِسْلاَمِ فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ نَصْرَانِيٌّ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ‏,‏ وَجَعَلْنَاهُ مُسْلِمًا لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ لَيْسَ بِعِلْمٍ مِنَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ فَلاَ نُغَيِّرُ الْإِسْلاَمَ إذَا لَمْ نَعْلَمْ الْكُفْرَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ ابْنُهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ‏,‏ وَجَعَلْنَا دِينَهُ دَيْنَ أَبِيهِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ هَذَا عِلْمٌ مِنَّا بِأَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى فِرَاشِهِ‏,‏ وَأَنَّ الْتِقَاطَ مَنْ الْتَقَطَهُ إنَّمَا هُوَ كَالضَّالَّةِ الَّتِي يَجِدُهَا الرَّجُلُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَبُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَ عَقْلِهِ الْإِسْلاَمَ وَوَصْفِهِ إيَّاهُ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ‏,‏ وَمَنَعْنَاهُ مِنْ أَنْ يَنْصُرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَتِمَّ عَلَى الْإِسْلاَمِ فَنُلْحِقَهُ بِالْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَنَقْطَعَ عَنْهُ حُكْمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بَلَغَ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ نَقْتُلُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْ الْإِسْلاَمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ‏,‏ وَبَعْدَ وُجُوبِ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِلنَّاسِ‏,‏ وَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْحُقُوقِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ ابْنَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ أَقْتُلْهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَثْبُتَ عَلَى الرِّدَّةِ‏,‏ وَلَوْ زَنَى قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ قَذَفَ لَمْ أَحُدَّهُ‏,‏ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْإِقْرَارُ لِلنَّاسِ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ‏,‏ وَلَكِنِّي أَحْبِسُهُ وَأُخِيفُهُ رَجَاءَ رُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلاَمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا الْتَقَطَ الْمَنْبُوذَ‏,‏ وَمَعَهُ مَالٌ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي‏,‏ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إنْ كَانَ الَّذِي الْتَقَطَهُ ثِقَةً لِمَالِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ إيَّاهُ‏,‏ وَيَأْمُرَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لِمَالِهِ فَلْيَدْفَعْ مَالَهُ لِغَيْرِهِ‏,‏ وَيَأْمُرْ ذَلِكَ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ مَالُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَيَنْبَغِي لِوَالِي الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَشَاءَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ‏,‏ وَأَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَى الْمَنْبُوذِ إذَا بَلَغَ وَثَابَ لَهُ مَالٌ فَعَلَ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي الْتَقَطَهُ‏,‏ وَلاَ مَالَ لَهُ‏,‏ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالنَّفَقَةِ‏,‏ وَلاَ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغٍ‏,‏ وَيُسْرٍ‏,‏ وَلاَ قَبْلَهُ‏,‏ وَسَوَاءً وَجَدَ الْمَالَ مَعَ اللَّقِيطِ أَوْ أَفَادَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ لاَ يَجُوزُ عَلَى الْوِلاَدَةِ وَلاَ شَيْءٍ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مِمَّا يَغِيبُ عَنْ الرِّجَالِ إلَّا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ أَجَازَ الشَّهَادَةَ انْتَهَى بِأَقَلِّهَا إلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَأَقَامَ الثِّنْتَيْنِ مِنْ النِّسَاءِ مَقَامَ رَجُلٍ حَيْثُ أَجَازَهُمَا فَإِذَا أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَغِيبُ عَنْ الرِّجَالِ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُجِيزُوهَا إلَّا عَلَى أَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّهَادَاتِ فَيَجْعَلُونَ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ‏,‏ وَإِذَا فَعَلُوا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَرْبَعٌ‏.‏ وَهَكَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ‏,‏ وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ لاَ يَجُوزُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ‏,‏ وَقَدْ قَالَ غَيْرُنَا تَجُوزُ فِيهِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ مَوْضِعِ الْأَخْبَارِ كَمَا تَجُوزُ الْوَاحِدَةُ فِي الْخَبَرِ لاَ أَنَّهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّهَادَةِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ مِنْ مَوْضِعِ الشَّهَادَاتِ مَا جَازَ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ -‏,‏ وَإِنْ كَثُرْنَ - عَلَى شَيْءٍ فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ احْتَجَّتْ إلَى خَبَرِ وَاحِدَةٍ أَبِشَهَادَةٍ أَوْ غَيْرِ شَهَادَةٍ‏؟‏ قَالَ بِشَهَادَةٍ عَلَى مَعْنَى الْأَخْبَارِ فَقِيلَ لَهُ‏,‏ وَكَذَلِكَ شَاهِدَانِ‏,‏ وَأَكْثَرُهُمَا شَاهِدَانِ عَلَى مَعْنَى الْأَخْبَارِ قَالَ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَاتُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي غَيْرِ هَذَا قِيلَ نَعَمْ‏,‏ وَلاَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا فِي خَاصٍّ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ عَلَى الْحُدُودِ‏,‏ وَلاَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنْ كُنْت أَنْكَرْت أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ تَوْأَمٍ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُك فِي رَجُلٍ‏,‏ وَامْرَأَتَيْنِ أَنَّهُمَا غَيْرُ تَامَّيْنِ‏,‏ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُك فِي رَجُلَيْنِ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ تَامَّيْنِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا‏,‏ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُك فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِخَبَرِهَا أَنَّهَا غَيْرُ تَامَّةٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَإِذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ كُلُّهَا خَاصَّةً مَا لَمْ تَتِمُّ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَغِيبُ عَنْ الرِّجَالِ خَاصَّةً لَمْ نَصْرِفْهَا إلَى قِيَاسٍ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ يُقْبَلُ فِيهَا مِنْ الْعَدَدِ إلَّا أَرْبَعًا تَكُونُ كُلُّ ثِنْتَيْنِ مَكَانَ شَاهِدٍ‏؟‏ قَالَ فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ‏,‏ وَحْدَهَا قُلْت لَوْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه صِرْنَا إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ عِنْدَكُمْ‏,‏ وَلاَ عِنْدَنَا عَنْهُ‏,‏ وَهَذَا لاَ مِنْ جِهَةِ مَا قُلْنَا مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ‏,‏ وَلاَ مِنْ جِهَةِ قَبُولِ خَبَرِ الْمَرْأَةِ‏,‏ وَلاَ أَعْرِفُ لَهُ مَعْنًى

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ بَيْعًا مَا كَانَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ شَرَطَ الْمُبْتَاعُ أَوْ الْبَائِعُ خِيَارًا لِغَيْرِهِ‏,‏ وَقَبَضَ الْمُبْتَاعُ السِّلْعَةَ فَهَلَكَتْ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ رِضَا الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا مَا بَلَغَتْ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ قَطُّ فِيهَا‏,‏ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ رَدُّهَا‏,‏ وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ شَيْءٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَالْقِيمَةُ تَقُومُ فِي الْفَائِتِ مَقَامَ الْبَدَلِ‏,‏ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقِيَاسِ وَالْأَثَرِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مَنْ ابْتَاعَ بَيْعًا‏,‏ وَقَبَضَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَتَلِفَ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ أَمِينٌ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ‏,‏ وَإِلَى أَنَّ الثَّمَنَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِكَمَالِ الْبَيْعِ فَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ‏,‏ وَأَخْرَجَهُ مِنْ مَوْضِعِ الضَّمَانِ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ‏,‏ وَيَقْبِضُهُ ثُمَّ يَتْلَفُ فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ‏,‏ وَقَدْ سَلَّطَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْقَبْضِ بِأَمْرٍ لاَ يُوجِبُ لَهُ الثَّمَنَ‏,‏ وَمِنْ حُكْمِهِ‏,‏ وَحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ثَمَنٍ أَبَدًا فَإِذَا زَعَمَ أَنَّ مَا لاَ يَكُونُ ثَمَنًا أَبَدًا يَتَحَوَّلُ فَيَصِيرُ قِيمَةً إذَا فَاتَ مَا فِيهِ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَالْمَبِيعُ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ شِرَاءً حَلاَلاً‏,‏ وَيَشْتَرِطُ خِيَارَ يَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ فَيَتْلَفُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا لِأَنَّ هَذَا لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ سَاعَةٌ أَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إنْفَاذَهُ نَفَذَ لِأَنَّ أَصْلَهُ حَلاَلٌ‏,‏ وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَوْ مَرَّتْ عَلَيْهِ الْآبَادُ أَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ إنْفَاذَهُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ قَالَ إنَّ الْبَائِعَ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَرْضَ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَدِيعَةً فَتَكُونُ أَمَانَةً‏,‏ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَنَ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ عَلَى الْخِيَارِ مَا رَضِيَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً‏,‏ وَمَا رَضِيَ إلَّا بِأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَنَ فَكَيْفَ كَانَ فِي الْبَيْعِ الْحَرَامِ عِنْدَهُ ضَامِنًا لِلْقِيمَةِ إذْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَمَانَةً‏,‏ وَلاَ يَكُونُ ضَامِنًا فِي الْبَيْعِ الْحَلاَلِ‏,‏ وَلَمْ يَرْضَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً‏,‏ وَقَدْ رَوَى الْمَشْرِقِيُّونَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ سَامَ بِفَرَسٍ‏,‏ وَأَخَذَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا فَشَارَ إلَيْهِ لِيَنْظُرَ إلَى مَشْيِهَا فَكُسِرَتْ فَحَاكَمَ فِيهَا عُمَرُ صَاحِبَهَا إلَى رَجُلٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ أَنَّهَا ضَامِنَةٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا سَالِمَةً فَأَعْجَبَ ذَلِكَ عُمَرُ مِنْهُ‏,‏ وَأَنْفَذَ قَضَاءَهُ‏,‏ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ‏,‏ وَاسْتَقْضَاهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا عَلَى مُسَاوَمَةٍ‏,‏ وَلاَ تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ إلَّا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ فَرَأَى عُمَرُ‏,‏ وَالْقَاضِي عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ‏,‏ فَمَا سُمِّيَ لَهُ ثَمَنٌ‏,‏ وَجُعِلَ فِيهِ الْخِيَارُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا مِنْ هَذَا‏,‏ وَإِنْ أَصَابَ هَذَا الْمَضْمُونَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا نَقَصَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ‏,‏ وَمَا نَقَصَ‏,‏ وَإِذَا كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا بَالِغًا لاَ يَجِدُ طَوْلاً لِحُرَّةٍ‏,‏ وَيَخَافُ الْعَنَتَ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ أَبِيهِ كَمَا يَنْكِحُ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ وَلَدَهُ مِنْ أَمَةِ أَبِيهِ أَحْرَارٌ فَلاَ يَكُونُ لِأَبِيهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ لِأَنَّهُمْ بَنُو وَلَدِهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَقِيرًا فَخَافَ الْعَنَتَ فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ وَجَبَرَ ابْنَهُ إذَا كَانَ وَاجِدًا عَلَى أَنْ يُعِفَّهُ بِإِنْكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لِأَنَّ لِلْأَبِ إذَا بَلَغَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا غَيْرَ مُغْنٍ لِنَفْسِهِ زَمِنًا أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ الِابْنُ‏,‏ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ‏,‏ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ مَلَكَ ابْنَتَهَا فَأَصَابَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا‏,‏ وَحُرِّمَتْ الْبِنْتُ لِأَنَّ هَذِهِ بِنْتُ امْرَأَةٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا‏,‏ وَتِلْكَ قَدْ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَةٍ أَصَابَهَا‏,‏ وَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا‏,‏ وَيَحِلُّ لَهُ خِدْمَتُهَا‏,‏ وَتَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ كَمِلْكِ أُمِّ الْوَلَدِ يَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا‏,‏ وَمَا أَفَادَتْ مِنْ مَالٍ كَمَا يَأْخُذُ مَالَ مَمَالِيكِهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ لِأَبِيهِ‏,‏ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا‏,‏ وَلَمْ تَلِدْ فَالْأَمَةُ لِأَبِيهِ كَمَا هِيَ‏,‏ وَعَلَيْهِ عُقْرُهَا لِأَبِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فِي الْأَمَةِ الَّتِي وَطِئَهَا الرَّجُلُ‏,‏ وَوَلَدَتْ‏,‏ وَحُرِّمَ فَرْجُهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ وَطِئَ أُمَّهَا بِنِكَاحٍ أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لاَ تَرِقُّ بَعْدَهُ بِحَالٍ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهَا‏,‏ وَإِنَّمَا هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فِيهَا الْمُتْعَةُ بِالْجِمَاعِ فَلَمَّا حُرِّمَ الْجِمَاعُ أَعْتَقَهَا عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَمَا تَقُولُ فِي أُمِّ وَلَدِ الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا أَلَهُ شَيْءٌ مِنْهَا غَيْرُ الْجِمَاعِ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَيَأْخُذُ ثَمَنَهَا‏,‏ وَيُجْنَى عَلَيْهَا فَيَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا‏,‏ وَتُفِيدُ مَالاً مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَيَأْخُذُ الْمَالَ‏,‏ وَتَخْدُمُهُ قُلْت لَهُ أَسْمَعُ لَهُ فِيهَا مَعَانِيَ كَثِيرَةً غَيْرَ الْجِمَاعِ فَلِمَ أَبْطَلْتهَا‏,‏ وَأَعْتَقْتهَا عَلَيْهِ‏,‏ وَهُوَ لَمْ يَعْتِقْ‏,‏ وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ أَوْ تَعْتِقَ أُمُّ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ‏,‏ وَهُوَ لَمْ يَمُتْ فَإِذَا كَانَ عُمَرُ إنَّمَا أَعْتَقَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِ سَادَاتِهِنَّ فَعَجَّلْتهنَّ الْعِتْقَ فَقَدْ خَالَفْته‏,‏ وَإِذَا كَانَ الْقَضَاءُ أَنْ لاَ يَعْتِقَ إلَّا مَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ فَأَعْتَقَتْهَا فَقَدْ خَالَفْته فَإِنْ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَةٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ فَرْجُهَا قِيلَ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِيهِ إنْ مَلَكَ أُمَّهُ وَبِنْتَه وَأُخْتَه مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَةً لَهَا زَوْجٌ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِنَّ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَقَدْ خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْوَةِ بِأَرْبَعٍ كُلُّهُنَّ حَرَامُ الْفَرْجِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ حَرَّمْتَهُ بِوَاحِدَةٍ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ إنَّمَا خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْوَةِ بِرَضَائِعِهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لَهُنَّ قِيلَ فَمُحَرَّمٌ هُوَ لِجَارِيَتِهِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ فَقَدْ خَلَّيْت بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ‏,‏ وَلَيْسَ لَهَا مَحْرَمٌ فَإِنْ قَالَ فَلِمَ مَنَعْت الِابْنَ فَرْجَ جَارِيَتِهِ إذَا أَصَابَهَا أَبُوهُ‏,‏ وَلَمْ تَجْعَلْ عَلَيْهِ إلَّا الْعُقْرَ‏,‏ وَلَمْ تُقَوِّمْهَا عَلَى أَبِيهِ‏,‏ وَقَدْ فَعَلَ فِيهَا فِعْلاً يُمْنَعُ بِهِ الِابْنُ مِنْ فَرْجِهَا‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنَّ مَنْعَ الْفَرْجُ لاَ ثَمَنَ لَهُ‏,‏ وَالْجِنَايَةُ جِنَايَتَانِ جِنَايَةٌ لَهَا ثَمَنٌ‏,‏ وَأُخْرَى لاَ ثَمَنَ لَهَا فَلَمَّا كَانَ الْحَدُّ إذَا دُرِئَ كَانَ ثَمَّةَ فِي الْمَوْطُوءَةِ عُقْرٌ أَغْرَمْنَاهُ الْأَبَ‏,‏ وَلَمْ نُسْقِطْ عَنْهُ شَيْئًا فَعَلَهُ لَهُ ثَمَنٌ‏,‏ وَلَمَّا كَانَ تَحْرِيمُ الْفَرْجِ غَيْرَ مُعْتِقٍ لِلْأَمَةِ‏,‏ وَلاَ مُخْرِجٍ لَهَا مِنْ مِلْكِ الِابْنِ لَمْ يَكُنْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا فَيَغْرَمُهُ فَإِنْ قَالَ فَمَا يُشْبِهُ هَذَا‏؟‏ قِيلَ مَا هُوَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَاهُ‏,‏ وَهِيَ الْمَرْأَةُ تُرْضِعُ بِلَبَنِ الرَّجُلِ جَارِيَتَهُ لِتُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ فَتَحْرُمُ الْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا‏,‏ وَتَكُونُ مُسِيئَةً آثِمَةً بِمَا صَنَعَتْ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ لِمَا صَنَعَتْ ثَمَنٌ نُغَرِّمُهَا إيَّاهُ‏,‏ وَهِيَ لَوْ شَجَّتْهَا أَغْرَمْنَاهَا أَرْشَ شَجَّتِهَا فَإِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ يَكُونُ مِنْ الْمَرْأَةِ عَامِدَةً‏,‏ وَلاَ تَغْرَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ إتْلاَفٍ‏,‏ وَلاَ إخْرَاجٍ لِلْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْمِلْكِ‏,‏ وَلاَ جِنَايَةٌ لَهَا أَرْشٌ فَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأَبِ بَلْ هِيَ فِي الْأَبِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا بَدَلاً لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ مِنْهُ عُقْرٌ‏,‏ وَهَذِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَأَصَابَهَا جَاهِلاً فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ تَعْتِقُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِالنَّهْيِ‏,‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ‏,‏ وَلاَ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا حَلاَلاً‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَوَلَدَتْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا‏,‏ وَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا أَتَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا‏,‏ وَالثَّانِي لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا‏,‏ وَإِنْ أَتَاهُ‏,‏ وَهُوَ يَعْلَمُهُ فِي شَيْءٍ لَهُ فِيهِ عَلَقٌ مُلِكَ بِحَالٍ‏,‏ وَلَكِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً‏,‏ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا بِأَنْ يُنْهَى عَنْ وَطْئِهَا‏,‏ وَلاَ عُقْرَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعُقْرَ الَّذِي يَجِبُ بِالْوَطْءِ لَهُ‏,‏ وَلاَ يَغْرَمُ لِنَفْسِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا لَمْ يَغْرَمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا مَلَكَ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَةَ‏,‏ وَوَطِئَهَا‏,‏ وَهُوَ جَاهِلٌ أُعْلِمَ‏,‏ وَنُهِيَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمَةً‏,‏ وَبِيعَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ وَلَدَتْ بِذَلِكَ الْوَطْءِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِأَنْ تُعْزَلَ عَنْهُ‏,‏ وَيُؤْخَذَ بِنَفَقَتِهَا‏,‏ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ تَعْمَلَ لَهُ مُعْتَزِلَةً عَنْهُ مَا يَعْمَلُ مِثْلُهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ‏,‏ وَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ‏,‏ وَهَكَذَا أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا‏,‏ وَهُوَ يَعْلَمُهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ فِيهَا مِثْلُ الْقَوْلِ فِي الَّذِي وَطِئَ رَضِيعَتَهُ‏,‏ وَهُوَ يَعْلَمُهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَدٌّ‏,‏ وَفِي الْآخَرِ عُقُوبَةٌ‏,‏ وَإِنْ أَرَادَ إجَارَتَهَا مِنْ امْرَأَةٍ فِي عَمَلٍ تُطِيقُهُ فَذَلِكَ لَهُ‏,‏ وَلَهُ أَخْذُ مَا أَفَادَتْهُ‏,‏ وَأَخْذُ أَرْشِ جِنَايَةٍ إنْ جُنِيَ عَلَيْهَا‏,‏ وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ فَقَالَ هِيَ حُرَّةٌ حِينَ أَسْلَمَتْ‏,‏ وَقَالَ عِلَّتِي فِي إعْتَاقِهَا عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ فَرْجَهَا قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ‏,‏ وَالْأُخْرَى أَنْ لاَ أُثْبِتَ لِمُشْرِكٍ عَلَى مُسْلِمٍ مِلْكًا فَقِيلَ لَهُ أَمَّا الْأُولَى فَمَا أَقْرَبُ تَرْكِهَا مِنْك فَقَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت أُمَّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ وَطِئَهَا ابْنُهُ قَالَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قُلْت أَفَتَعْتِقُهَا عَلَيْهِ‏,‏ وَقَدْ حُرِّمَ فَرْجُهَا بِكُلِّ حَالٍ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ هُوَ وَطِئَ ابْنَتَهَا وَأُمَّهَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَرْجُهَا بِكُلِّ حَالٍ عِنْدَك‏,‏ وَلَمْ تَعْتِقْهَا عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَقَدْ تَرَكْت الْأَمْرَ الْأَوَّلَ فِي الْأُولَى أَنْ تَعْتِقَ مِنْ هَذِهِ قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْنَا هَؤُلاَءِ لاَ تَحِلُّ فُرُوجُهُنَّ عِنْدَك بِحَالٍ‏,‏ وَأُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ قَدْ يَحِلُّ فَرْجُهَا لَوْ أَسْلَمَ السَّاعَةَ قَالَ فَدَعْ هَذَا قُلْت‏,‏ وَالثَّانِي سَتَدَعُهُ قَالَ وَكَيْفَ‏؟‏ قُلْت أَرَأَيْت مُدَبَّرَ النَّصْرَانِيِّ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ‏,‏ وَمُكَاتَبَتَهُ أَتَعْتِقُهُمْ إذَا أَسْلَمُوا أَوْ تَبِيعُهُمْ‏؟‏ قَالَ لاَ نَعْتِقُ الْمُدَبَّرِينَ إلَّا بِالْمَوْتِ‏,‏ وَلاَ الْمُكَاتَبَ إلَّا بِالْأَدَاءِ قُلْنَا فَهَؤُلاَءِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقُوا لِمَنْ مَلَكَهُمْ‏؟‏ قَالَ النَّصْرَانِيُّ‏,‏ وَلَكِنَّهُ مُعَلَّقٌ بِمَوْتِهِ قُلْنَا فَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ مِلْكُهَا لِلنَّصْرَانِيِّ مُعَلَّقٌ بِمَوْتِهِ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ‏,‏ وَلاَ تُبَاعُ فِي دَيْنٍ‏,‏ وَلاَ تَسْعَى فِيهِ‏,‏ وَأَنْتَ تَسْتَسْعِي الْمُدَبَّرَ فِي دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ فَهُوَ حُرٌّ‏,‏ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ‏؟‏ قُلْتُ يَدْخُلُ ذَلِكَ عَلَيْك فِي الْمُكَاتَبِ قَالَ أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلاَ أَقُولُهُ قُلْت أَرَأَيْت عَبْدًا نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ فَوَهَبَهُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ‏؟‏ قَالَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قُلْنَا فَيَجُوزُ إلَّا‏,‏ وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ ثَابِتُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْت أَوْ رَأَيْت لَوْ أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لاَ سُوقَ بِهِ أَتُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ السُّوقَ فَيَبِيعَهُ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ جَانٍ فَقَتَلَهُ أَوْ جَرَحَهُ كَانَ الْأَرْشُ لِلنَّصْرَانِيِّ‏,‏ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ كَمَا كَانَ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْمُسْلِمِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَقَدْ زَعَمْت أَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ فِي حَالاَتٍ قَالَ نَعَمْ‏,‏ وَلَكِنِّي إذَا قَدَرْت عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ أَخْرَجْتُهُ قُلْت بِأَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ‏؟‏ قَالَ أَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ قُلْنَا فَتَصْنَعُ ذَا بِأُمِّ الْوَلَدِ‏؟‏ قَالَ لاَ أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا فَأَدْفَعُ إلَيْهِ ثَمَنَهَا قُلْت فَلَمَّا لَمْ تَجِدْ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا كَانَ حُكْمُهَا غَيْرَ حُكْمِهِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَمَنْ قَالَ لَك أَعْتَقْتهَا بِلاَ عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مَكَانَهُ‏؟‏ قَالَ لاَ‏,‏ وَلَكِنْ عِوَضٌ عَلَيْهَا قُلْنَا فَهِيَ مُعْدَمَةٌ بِهِ أَفَكُنْت بَائِعًا عَبْدَهُ مِنْ مُعْدَمٍ‏؟‏ قَالَ لاَ قُلْنَا فَكَيْفَ بِعْتهَا مِنْ نَفْسِهَا‏,‏ وَهِيَ مُعْدَمَةٌ‏؟‏ قَالَ لِلْحُرِّيَّةِ قُلْنَا مِنْ قِبَلِهِ كَانَتْ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا‏؟‏ فَإِنْ قُلْت مِنْ قِبَلِهِ قُلْنَا فَهِيَ حُرَّةٌ بِلاَ سِعَايَةٍ قَالَ مَا أَعْتِقُهَا فَتَكُونُ حُرَّةً بِلاَ سِعَايَةٍ‏,‏ وَلاَ أَعْتِقُ شَيْئًا مِنْهَا قُلْت فَحُرَّةٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا فَلِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَعْتِقَ نَفْسَهُ قَالَ فَحُرَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْإِسْلاَمِ قُلْنَا فَقَدْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَلَمْ تَعْتِقْهُ‏,‏ وَمَا دَرَيْت مِنْ أَيْنَ أَعْتَقْتهَا‏,‏ وَلاَ أَنْتَ إلَّا تَخَرَّصَتْ عَلَيْهَا‏,‏ وَأَنْتَ تَعِيبُ الْحُكْمَ بِالتَّخَرُّصِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَإِذَا اسْتَعَارَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَقَالَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْغَاصِبِ الَّذِي وَطِئَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي مَسْأَلَةِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَخُذُوا جَوَابَهَا مِنْ هُنَالِكَ فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِيهَا ثَمَّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً زَوَّجَ رَجُلاً امْرَأَةً‏,‏ وَزَعَمَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَدَخَلَ عَلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَقَبَتَهَا رَجُلٌ‏,‏ وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلاَدًا فَأَوْلاَدُهَا أَحْرَارٌ‏,‏ وَلِلْمُسْتَحِقِّ قِيمَتُهُمْ وَجَارِيَتُهُ وَالْمَهْرُ يَأْخُذُ مِنْ الزَّوْجِ إنْ شَاءَ‏,‏ وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ كُلَّهُ عَلَى الْغَارِّ لِأَنَّهُ لَزِمَ مِنْ قِبَلِهِ‏,‏ وَأَصْلُ مَا رَدَدْنَا بِهِ الْمَغْرُورَ عَلَى الْغَارِّ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَأَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا‏,‏ وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا فَرَدَّ الزَّوْجَ عَلَى مَا اسْتَحَقَّتْ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ بِالْمَسِيسِ عَلَى الْغَارِّ‏,‏ وَكَانَ مَوْجُودًا فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغُرْمَ فِي الْمَهْرِ لَزِمَهُ بِغُرُورِهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ غَارٍّ لَزِمَ الْمَغْرُورَ بِسَبَبِهِ غُرْمٌ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ‏,‏ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ يَعْرِفُ مِنْ الْمَرْأَةِ الْجُنُونَ أَمْ لَمْ يَعْرِفْهُ لِأَنَّ كُلًّا غَارٌّ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ‏,‏ وَعَلَى أَبِيهَا أَرَأَيْت لَوْ كَانَ تَحْتَ ثِيَابِهَا نُكْتَةُ بَرَصٍ أَمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَبِيهَا‏,‏ وَالْغَارُّ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ يَضْمَنْ لِلْمَغْرُورِ ثُمَّ بَيْنَ الْغَارِّ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ‏,‏ وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى ابْنَ سَيِّدِهِ أَوْ أَبَاهُ أَوْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا مَلَكَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِيمَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَمْلِكَهُ لاَ مَا لاَ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ كَمَا يَكُونُ الرَّجُلُ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالاً فَيُضَارِبُهُ فَيَشْتَرِي ابْنَهُ فَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ فِي ابْنِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِمَالِهِ مَا لاَ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ‏,‏ وَهَذَا مَذْهَبٌ مُحْتَمَلٌ لِمَنْ قَالَهُ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ حَلاَلاً‏,‏ وَأَنَّ مَا مَلَكَ الْعَبْدُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ لِسَيِّدِهِ‏,‏ وَإِذَا مَلَكَ السَّيِّدُ ابْنَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالْمُضَارِبِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّ فِي الشِّرَاءِ حُقُوقًا‏.‏ مِنْهَا حَقٌّ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي لاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ إذَا كَانَ بَيْعًا حَلاَلاً فَلَمَّا كَانَ هَذَا بَيْعًا حَلاَلاً يَلْزَمُ الْعَبْدَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدَ أَبَدًا إلَّا وَالسَّيِّدُ مَالِكٌ فَيَعْتِقُ‏,‏ وَالْمُضَارِبُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فَلاَ يَظْلِمُ الْمُشْتَرِيَ‏,‏ وَيَكُونُ الْمُضَارِبُ مَالِكًا لِهَذَا الْعَبْدِ‏,‏ وَلَيْسَ مِلْكُ الْمُضَارِبِ لِنَفْسِهِ مِثْلَ مِلْكِ صَاحِبِ الْمَالِ‏,‏ وَمِلْكُ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ مِثْلُ مِلْكِ صَاحِبِ الْمَالِ‏,‏ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ أَذِنَ لَهُ فِي مُدَايَنَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْعَبْدِ مَالَهُ إلَّا بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ‏,‏ وَبَعْدَ مِلْكِ الْعَبْدِ لَهُ فَلَمَّا كَانَ تَمَامُ مِلْكِ الْعَبْدِ وَاقِعًا عَلَى ابْنِ سَيِّدِهِ‏,‏ وَالْعِتْقُ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرِقَّ بِحَالٍ لِأَنَّهُ إذَا تَمَّ فِيهِ مِلْكُهُ تَمَّتْ حُرِّيَّتُهُ‏,‏ وَلاَ يَغْرَمُ الْأَبُ شَيْئًا قَلَّ وَلاَ كَثُرَ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ إنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ نَقْصٌ مِنْ عِتْقِهِ فَاَلَّذِي دَخَلَ عَلَى الْأَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ مُصَابًا بِمَالِهِ‏,‏ وَغَارِمًا مِثْلَهُ‏,‏ وَمَا أَتْلَفَ شَيْئًا فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَ‏,‏ وَلاَ أَمَرَ بِشِرَائِهِ مِنْ مَالِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مُنْتَزِعًا مِنْ الْعَبْدِ شَيْئًا يَكُونُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إنَّمَا أَخْطَأَ فِيهِ الْعَبْدُ أَوْ تَعَدَّى فَلاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى السَّيِّدِ أَرَأَيْت لَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ جَمِيعَ مَا فِي يَدَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ بِدَرَكٍ أَوْ حَرْقِهِ أَوْ غَرَقِهِ أَيَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ فِي هَذَا فِعْلٌ‏,‏ وَلاَ أَمْرٌ إنَّمَا يَغْرَمُ النَّاسُ بِفِعْلِهِمْ‏,‏ وَأَمْرِهِمْ فَأَمَّا بِغَيْرِ فِعْلِهِمْ‏,‏ وَلاَ أَمْرِهِمْ فَلاَ يَغْرَمُونَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ مِنْ الدِّيَاتِ‏,‏ وَمَا جَاءَ فِيهِ خَبَرٌ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فَاشْتَرَى ابْنَ مَوْلاَهُ فَلَيْسَ ثَمَّ شِرَاءٌ‏,‏ وَلاَ يَمْلِكُهُ فَيَعْتِقُ بِالْمِلْكِ‏,‏ وَهُوَ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ الْأَوَّلِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا ادَّعَى الْأَعَاجِمُ بِوِلاَدِ الشِّرْكِ أُخُوَّةً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا جَاءُونَا مُسْلِمِينَ لاَ وَلاَءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كَمَا قَبِلْنَا دَعْوَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا‏,‏ وَإِنْ كَانُوا مَسْبِيِّينَ أَوْ عَلَيْهِمْ رِقٌّ أُعْتِقُوا فَثَبَتَ عَلَيْهِمْ وَلاَءٌ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُمْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وِلاَدٍ أَوْ دَعْوَى مَعْرُوفَةٍ كَانَتْ قَبْلَ السَّبْيِ‏,‏ وَهَكَذَا مَنْ قَلَّ مِنْهُمْ أَوْ كَثُرَ أَهْلَ حِصْنٍ كَانُوا أَوْ غَيْرَهُمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلاَنِ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَبُوهُمَا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِوَارِثٍ مَعَهُ‏,‏ وَقَالَ هَذَا أَخِي ابْنُ أَبِي‏,‏ وَدَفَعَهُ الْآخَرُ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَخْبَرَنِي أَنَّ قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ الَّذِي لَمْ نَزَلْ نَعْرِفُهُ‏,‏ وَيَلْقَوْهُمْ بِهِ أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لَهُ نَسَبٌ‏,‏ وَلاَ يَأْخُذُ مِنْ يَدَيْهِ شَيْئًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَحْسَبُهُمْ ذَهَبُوا فِيهِ إلَى أَنَّ الْأَخَ الْمُقَرَّ لَهُ لَمْ يُقِرَّ لِهَذَا الْأَخِ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ‏,‏ وَلاَ وَصِيَّةٍ‏,‏ وَلاَ بِحَقٍّ لَهُ فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَلاَ مَالِ أَبِيهِ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ فَيَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَهُ‏,‏ وَأَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ وَجَمِيعُ حَقِّ الْإِخْوَةِ فَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْإِقْرَارِ بِهِ بَاطِلاً لاَ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهُ شَيْئًا كَمَا لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رضي الله تعالى عنه‏:‏ وَكَانَ هَذَا قَوْلاً صَحِيحًا ثُمَّ أَحْدَثُوا أَنْ لاَ يُلْحِقُوا‏,‏ وَأَنْ يَأْخُذَ ثُلُثَ مَا فِي يَدَيْ أَخِيهِ الْمُقَرِّ لَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَحْسَبُهُمْ ذَهَبُوا فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ شَيْئًا فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَشَيْئًا فِي يَدَيْ أَخِيهِ فَأَجَازُوا إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ‏,‏ وَأَبْطَلُوا إقْرَارَهُ عَلَى أَخِيهِ‏,‏ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله تعالى عنهما فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالاَ يُقَاسِمُ الْأَخَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِمَا فِي يَدَيْهِ نِصْفَيْنِ‏,‏ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ‏,‏ وَلاَ يَثْبُتُ النَّسَبُ‏,‏ وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قَالَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ‏,‏ وَهُوَ سَوَاءٌ فِي مَالِ أَبِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا‏,‏ وَلاَ مِيرَاثَ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ‏,‏ وَلاَ يَثْبُتُ نَسَبُ أَحَدٍ نَسَبَهُ رَجُلٌ إلَى غَيْرِهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى أَبِيهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ حَقِّهِ فِي أَبِيهِ كَحَقِّهِ فَدَفَعَ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ‏,‏ وَلاَ يَثْبُتُ نَسَبٌ حَتَّى تَجْتَمِعَ الْوَرَثَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ مَعًا أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى الْمَيِّتِ الَّذِي إنَّمَا يُلْحِقُ بِنَفْسِهِ فَيُكْتَفَى بِقَوْلِهِ‏,‏ وَيَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ كَيْفَ أَجَزْت أَنْ يُقِرَّ ابْنُ الرَّجُلِ إذَا كَانَ وَارِثُهُ لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ بِالْأَخِ فَتُلْحِقُهُ بِالْأَبِ‏,‏ وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَمْرٍ لاَ يَدْخُلُ ضَرَرُهُ عَلَى مَيِّتٍ إنَّمَا يَدْخُلُ الضَّرَرُ عَلَيْهِ فِيمَا يُنْتَقَصُ مِنْ شَرِكَتِهِ فِي مِيرَاثِ الْأَبِ وَوَجَدْته إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا بِوِرَاثَةِ أَبِيهِ الْقَائِمِ بِكُلِّ حَقٍّ لِأَبِيهِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَعْفُو دَمَهُ فَيَجُوزُ عَفْوُهُ كَمَا لَوْ عَفَا أَبُوهُ جُرْحَ نَفْسِهِ جَازَ عَفْوُهُ‏؟‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُومُ بِالْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَ أَبَاهُ كَمَا كَانَ أَبُوهُ قَائِمًا بِالْحَدِّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ‏؟‏ أَلاَ تَرَى أَنْ لَوْ كَانَتْ لِأَبِيهِ بَيِّنَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ أَوْ مَالٍ أَوْ قِصَاصٍ أَخَذَ لَهُ بِهَا‏,‏ وَأَخَذَ لِلِابْنِ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ‏,‏ وَلَوْ أَكْذَبَهَا الِابْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ‏,‏ وَالْأَبُ مُدَّعٍ لَهَا أَبْطَلْنَاهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَامَ مَقَامَهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي هَذَا خَبَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ الْخَبَرُ الَّذِي النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَيْهِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ مَا هُوَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ ‏{‏اخْتَصَمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ كَانَ أَخِي عُتْبَةُ عَهِدَ إلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ‏,‏ وَأَمَرَنِي أَنْ أُفِيضَهُ إلَيَّ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ أَخِي‏,‏ وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ‏,‏ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ‏,‏ وَأَلْحَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَعْوَةِ الْأَخِ‏,‏ وَأَمَرَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْهُ لَمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ‏}‏ فَكَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ‏,‏ وَأَنَّهَا قَدْ ادَّعَتْ مِنْهُ مَا ادَّعَى أَخُوهَا فَعَلَى هَذَا‏,‏ هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ

‏(‏أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ‏)‏ قَالَ ‏(‏أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ‏)‏ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏ قَالَ عَمْرٌو فِي الْأَمْوَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ سَمَّاهُ‏,‏ وَلاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وَجَدْنَا فِي كُتُبِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَجَدْنَا فِي كُتُبِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَشْهَدُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ أَنْ يَقْضِيَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏‏.‏ ‏(‏قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ‏)‏ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي‏,‏ وَهُوَ ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْته إيَّاهُ‏,‏ وَلاَ أَحْفَظُهُ‏.‏ ‏(‏قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ‏)‏ وَكَانَ أَصَابَ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ‏,‏ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ‏,‏ وَكَانَ سُهَيْلٌ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ‏.‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي‏:‏ ‏{‏جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ يَسْأَلُ أَبِي وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جِدَارِ الْقَبْرِ لِيَقُومَ أَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ‏,‏ وَقَضَى بِهَا عَلَيَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ‏}‏ قَالَ مُسْلِمٌ قَالَ جَعْفَرٌ فِي الدَّيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَهُوَ عَامِلٌ لَهُ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ‏,‏ وَهُوَ عَامِلُهُ عَلَى الْكُوفَةِ أَنْ اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهَا السُّنَّةُ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كُبَرَائِهِمْ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِهَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي كُرَيْمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ‏:‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مَيْمُونٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ خَاصَمْت إلَى الشَّعْبِيِّ فِي مُوضِحَةٍ فَشَهِدَ الْقَائِسُ أَنَّهَا مُوضِحَةٌ فَقَالَ الشَّاجُّ لِلشَّعْبِيِّ أَتَقْبَلُ عَلَيَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ‏؟‏ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ قَدْ شَهِدَ الْقَائِسُ أَنَّهَا مُوضِحَةٌ‏,‏ وَيَحْلِفُ الْمَشْجُوجُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ فَقَضَى الشَّعْبِيُّ فِيهَا‏,‏ وَذَكَرَ هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقْضُونَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سُئِلاَ أَيُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏؟‏ فَقَالاَ نَعَمْ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَذَكَرَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏.‏ وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَذَكَرَ هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ خَاصَمْت إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَقَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏,‏ وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُخْبِرُهُ أَنِّي لَمْ أَجِدْ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا بِالْمَدِينَةِ قَالَ فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ اقْضِ بِهَا فَإِنَّهَا السُّنَّةُ‏,‏ وَذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏.‏ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قَضَى زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى فَقَضَى بِشَهَادَتِي وَحْدِي‏,‏ وَشُعْبَةَ عَنْ أَبِي قَيْسٍ‏,‏ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ‏.‏

مَا يُقْضَى فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ‏,‏ وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَحْوِيلُ مِلْكِ مَالِكٍ إلَى مَالِكٍ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَقْضِيُّ لَهُ يَمْلِكُ الْمَالَ الَّذِي كَانَ فِي يَدَيْ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي تُمْلَكُ بِهَا الْأَمْوَالُ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى قُضِيَ بِهِ عَلَى مَعْنَى مَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ بِشَاهِدٍ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْ فُلاَنٍ دَارُهُ غَصَبَهَا إيَّاهُ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهَا‏,‏ وَأَخَذَ مِنْهُ ثَمَنَهَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَتَخْرُجُ الدَّارُ مِنْ يَدَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ فَتَحُولُ إلَى مِلْكِ الْمَشْهُودِ الْحَالِفِ لَهُ فَيَمْلِكُهَا كَمَا كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مَالِكًا لَهَا‏,‏ وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِمَّا يُمْلَكُ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِشَاهِدٍ عَلَى عَبْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَقُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفًا فَيَمْلِكُهَا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لَهَا مَالِكًا قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَرَقَ لَهُ مَتَاعًا قِيمَتُهُ كَذَا وَكَذَا أَوْ قَتَلَ عَبْدًا قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ جَرَحَهُ هُوَ فِي بَدَنِهِ جِرَاحَةَ خَطَأٍ حَلَفَ فِي هَذَا كُلِّهِ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَقُضِيَ لَهُ بِثَمَنِ الْمَتَاعِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ قُضِيَ عَلَيْهِ مَا كَانَ هُوَ مَالِكًا لَهُ إمَّا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ‏,‏ وَإِمَّا فِي الظَّاهِرِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ أَسْلَفَهُ مِائَةَ دِينَارٍ فِي طَعَامٍ مَوْصُوفٍ أَوْ بُرٍّ مَوْصُوفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَحَلَفْتَهُ مَعَ الشَّاهِدِ‏,‏ وَأَلْزَمْتُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُهُ‏,‏ وَجَعَلْت ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ الَّذِي سَمَّى‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَلَزِمَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ أَوْ الْجَارِيَةُ بَيْعًا بِمِائَةِ دِينَارٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ بَاعَهُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى أَوْ بِدَارٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيْعُ‏,‏ وَهَذَا كُلُّهُ تَحْوِيلُ مِلْكٍ إلَى مَالِكٍ

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ عَلَى رَجُلٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ يَسْوَى مَالاً أَوْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ لاَ يَسْوَى رُبُعَ دِينَارٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَغَرِمَ السَّارِقُ قِيمَةَ السَّرِقَةِ إنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً‏,‏ وَلَمْ يُقْطَعْ السَّارِقُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ حَقٌّ مِنْ دَيْنٍ أَوْ ثَمَنِ بَيْعٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ فَأَقَامَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ شَاهِدًا أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ قَبَضَهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَبَرِيءَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ‏,‏ وَهَذَا تَحْوِيلُ مَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ مُلِكَ عَلَيْهِ إلَى مِلْكِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَلَوْ قَضَى عَلَى عَاقِلَةِ رَجُلٍ بِأَرْشِ جِنَايَةٍ فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَبْرَأَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَقَفْنَا الشَّاهِدَ‏.‏ فَإِنْ قَالَ أَبْرَأَهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ‏,‏ وَأَبْرَأَ أَصْحَابَهُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِمْ بِهَا أَحَلَفْنَاهُمْ وَأَبْرَأْنَاهُمْ فَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ‏,‏ وَلَمْ يَحْلِفْ بَعْضٌ بَرِيءَ مَنْ حَلَفَ‏,‏ وَلَمْ يَبْرَأْ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ‏,‏ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ فَأَقَامَا شَاهِدًا فَشَهِدَ لَهُمَا بِالْبَرَاءَةِ فِيهَا فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا‏,‏ وَلَمْ يَحْلِفْ الْآخَرُ فَيَبْرَأُ الَّذِي حَلَفَ‏,‏ وَلاَ يَبْرَأُ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ‏:‏ وَتَحْلِفُ عَاقِلَتُهُ‏,‏ وَلاَ يَحْلِفُ مَعَهَا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ‏,‏ وَلاَ يَعْقِلُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَهُمْ شَيْئًا‏.‏ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَقَفْته أَيْضًا فَقُلْت قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُك أَبْرَأَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ مِنْ أَرْشِهَا فَإِنْ كُنْت هَذَا تُرِيدُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا‏,‏ وَإِنْ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ عَلَى إبْرَاءِ الْعَاقِلَةِ حَلَفُوا وَبَرِئُوا‏,‏ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لَزِمَهُمْ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهَدْ لَهُمْ بِالْبَرَاءَةِ‏.‏

وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا مَعِيبًا فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ شَاهِدًا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ مِنْ الْعَيْبِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَبَرِيءَ‏.‏ وَلاَ احْتَاجَ مَعَ هَذَا إلَى وَقْفِهِ كَمَا أَحْتَاجُ إلَى وَقْفِهِ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يَكُونُ لَهُ‏.‏ وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَلْزَمُ فِي الْعَيْبِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ أَخْذِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ بَرِيءَ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَلْزَمُ إلَّا الْمَشْهُودُ لَهُ خَاصَّةً فَيَحْلِفُ فِيهِ وَيَبْرَأُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِحَقٍّ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ عَلَى فُلاَنٍ بَاطِلٌ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَأُبْرِئَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ‏.‏ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَالٍ فَيَأْتِيَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ فَيَشْهَدَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَيَبْرَأَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ شَاهِدًا فِي حَيَاتِهِ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى فُلاَنٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ‏.‏ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ‏.‏ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ شَاهِدًا بِأَنَّ لَهُ عَلَى فُلاَنٍ حَقًّا فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي كُلِّ مَا مَلَكُوا عَنْهُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى بِالْمَوَارِيثِ إلَى الْأَحْيَاءِ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ مَا كَانَ لِلْأَحْيَاءِ يَمْلِكُونَ مَا مَلَّكَهُمْ بِقَدْرِ مَا فُرِضَ لَهُمْ فَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ مَنْ وَرِثُوهُ بِقَدْرِ مَا وَرِثُوا

‏(‏قَالَ‏)‏ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ‏,‏ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَشَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ فَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ بِالْعِيَانِ وَالسَّمَاعِ وَالرُّؤْيَةِ فَإِذَا سَمِعَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى فُلاَنٍ أَوْ عَلِمَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَكَانَ كَأَبِيهِ لَوْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى حَقٍّ كَانَ عَنْهُ غَائِبًا أَوْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ لَهُ دَابَّةً غَائِبَةً أَوْ عَبْدًا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَأَخَذَ حَقَّهُ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا عَلَى مَا عَايَنَ أَوْ سَمِعَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِعَيْنِهِ ضَاقَ هَذَا عَلَيْهِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَحْلِفُونَ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْحَقِّ الْغَائِبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ الرُّؤْيَةِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْخَبَرِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ شُهِدَ لَهُ بِحَقٍّ بِأَنَّ فُلاَنًا أَقَرَّ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَلَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى مَا عَايَنَ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ بِشَاهِدٍ إلَّا فِيمَا عَايَنَ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ وَرَّثَهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَايِنْ أَبَاهُ وَمَا تَرَكَ وَلاَ عَدَّدَ وَرَثَتَهُ‏,‏ وَلاَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ وَصَايَا‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَالِغًا‏,‏ وَمَاتَ أَبُوهُ غَائِبًا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى تَرِكَةٍ لَهُ غَائِبَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ يَمْلِكُهَا‏,‏ وَلاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا فَإِنْ مَاتَ مَيِّتٌ‏,‏ وَتَرَكَ ابْنًا بَالِغًا‏,‏ وَابْنًا صَغِيرًا‏,‏ وَزَوْجَةً يَحْلِفُ الْبَالِغُ‏,‏ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ‏,‏ وَذَلِكَ نِصْفُ الْمَالِ بَعْدَ ثُمُنِ الْمَرْأَةِ‏,‏ وَإِنْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَخَذَتْ الثُّمُنَ وَوَقَفَتْ لِلصَّبِيِّ حَقَّهُ مِنْ الْمَالِ وَذَلِكَ النِّصْفُ بَعْدَ الثُّمُنِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ فِيمَا وَرِثُوا عَنْهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ بَالِغِينَ فِيهِمْ غُيَّبٌ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْحَالِفُ حَقَّهُ‏,‏ وَوُقِفَتْ حُقُوقُ الْغُيَّبِ حَتَّى يَحْضُرُوا فَيَحْلِفُوا‏,‏ وَيَسْتَحِقُّوا أَوْ يَأْبَوْا فَتَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ أَوْ يَمُوتُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ مَقَامَهُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ أَخْرَسُ‏,‏ وَكَانَ يَفْقَهُ الْإِشَارَةَ بِالْيَمِينِ أُشِيرَ إلَيْهِ بِهَا حَتَّى يُفْهَمَ عَنْهُ أَنَّهُ حَلَفَ ثُمَّ يُعْطَى حَقَّهُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لاَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ‏,‏ وَلاَ يُفْهَمُ عَنْهُ أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا أَوْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ وُقِفَ لَهُ حَقُّهُ حَتَّى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُونَ‏,‏ وَيَسْتَحِقُّونَ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَ وَارِثَيْنِ فَيَحْلِفَ أَحَدُهُمَا فَيَسْتَحِقَّ الْآخَرُ حَقَّهُ بِيَمِينِ أَخِيهِ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيمَا وَرِثَ عَنْهُ‏,‏ وَالْحَقُّ وَإِنْ كَانَ عَنْ الْمَيِّتِ وَرِثَ فَلَمْ يَحِقَّ إلَّا لِلْأَحْيَاءِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ الْأَحْيَاءِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مَقَامَ الَّذِي لَهُ أَصْلُ الْحَقِّ فِي نِصْفِ مَالِهِ فَيَسْتَحِقَّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بِهَا‏,‏ وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ‏,‏ وَهِيَ الَّتِي تُمْلَكُ‏,‏ وَلاَ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ‏,‏ وَلَوْ حَلَفَ لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ شَيْئًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَصَاحِبُ الْحَقِّ مَنْ مَلَكَهُ كُلَّهُ لاَ مَنْ مَلَكَ بَعْضَهُ‏,‏ وَبَقِيَ الْبَعْضُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ‏,‏ وَصِيٌّ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَحْلِفْ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ‏,‏ وَتُوقَفُ حُقُوقُهُمْ فَكُلَّمَا بَلَغَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ حَلَفَ‏,‏ وَأَخَذَ حَقَّهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ‏,‏ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ‏,‏ وَقَدْ أَقَامَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدًا لَهُ بِحَقٍّ عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَقَامَهُ‏,‏ وَصِيُّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ أَحَدُ وَرَثَتِهِ‏,‏ وَلَهُ غُرَمَاءُ فَقِيلَ لِوَرَثَتِهِ احْلِفُوا‏,‏ وَاسْتَحِقُّوا فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا بَطَلَ حَقُّهُمْ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَضَى لِمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بِيَمِينِهِ‏,‏ وَأَخَذَ حَقَّهُ فَإِنَّمَا أَعْطَى بِالْيَمِينِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَصْلِ الْحَقِّ‏,‏ وَإِنَّمَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَنْ يُقَالَ لَقَدْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ‏,‏ وَإِنَّ هَذَا الْحَقَّ لِي عَلَى فُلاَنٍ‏,‏ وَمَا بَرِيءَ مِنْهُ‏,‏ وَإِنَّمَا جَعَلْت لِلْوَارِثِ الْيَمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَ الْمَيِّتِ إلَى الْوَارِثِ فَجَعَلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ‏,‏ وَلاَ يُخَالِفُهُ بِقَدْرِ مَا فَرَضَ لَهُ وَجَعَلَهُ مَالِكًا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ‏,‏ وَلَوْ وَرِثَ عَبْدًا زَمِنًا أَلْزَمْتُهُ مِلْكَهُ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ مِلْكَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ هُوَ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ‏,‏ وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلاَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَعْنَى الْوَارِثِ بِسَبِيلٍ لاَ هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَصْلُ الْحَقِّ فَيَكُونُونَ الْمَقْضِيَّ لَهُمْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ‏,‏ وَلاَ الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَيَكُونُونَ فِي مَعْنَى صَاحِبِ الْحَقِّ‏,‏ وَالْغُرَمَاءُ‏,‏ وَالْمُوصَى لَهُمْ‏,‏ وَإِنْ اسْتَحَقُّوا مَالَ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ‏,‏ وَلاَ يَلْزَمُ فِيهِمْ مَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مِنْ نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى قَالَ‏,‏ وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَجَاءَ وَارِثُهُ بِشَاهِدٍ‏,‏ وَقَالَ أَنَا أَحْلِفُ‏,‏ وَقَالَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ الْمَالُ لِي دُونَ الْوَارِثِ‏,‏ وَأَنَا أَحْلِفُ حَلَفَ الْوَارِثُ‏,‏ وَأَخَذَ الْغَرِيمُ الْمَالَ دُونَهُ كَمَا كَانَ أَخَذَ لَهُ دُونَ أَبِيهِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَالِ إذَا مَلَكَهُ الْوَارِثُ عَنْ الْمَوْرُوثِ فَالْغَرِيمُ أَحَقُّ بِهِ كَمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَاَلَّذِي يَحِقُّ بِهِ وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَفِيمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ فَرْقِ مَا بَيْنَ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ وَصَاحِبِ أَصْلِ الْحَقِّ قَالَ وَمِمَّا يُثْبِتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا حَقُّهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ جُمْلَةً لاَ فِي مَالِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ سِوَى مَالِهِ الَّذِي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ احْلِفْ عَلَيْهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ‏,‏ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ فَجَاءَ غَرِيمٌ غَيْرُهُ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ الْآخَرُ‏,‏ وَأَخَذَ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَقَدْ أَعْطَى بِيَمِينِهِ الْحَقَّ‏,‏ وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ النِّصْفُ‏,‏ وَلَيْسَ هَكَذَا الرَّجُلاَنِ يَكُونُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إذَا نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ‏,‏ وَأَخَذَ الْحَالِفُ حَقَّهُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ أَقَامَ وَرَثَةُ رَجُلٍ شَاهِدًا عَلَى حَقٍّ لَهُ‏,‏ وَلَهُ غُرَمَاءُ‏,‏ وَوَصَايَا قِيلَ لِلْوَرَثَةِ‏:‏ احْلِفُوا‏,‏ وَاسْتَحِقُّوا فَإِذَا فَعَلُوا فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُمْ وَأَهْلُ الْوَصَايَا يُشْرِكُونَهُمْ فِي مَالِهِ بِالثُّلُثِ‏,‏ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا أَبْطَلْنَا حِصَّةَ أَهْلِ الْوَصَايَا‏.‏

الِامْتِنَاعُ مِنْ الْيَمِينِ وَكَيْفَ الْيَمِينُ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى حَقٍّ مَعَ شَاهِدٍ قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفْتَ اسْتَحْقَقْتَ‏,‏ وَإِنْ امْتَنَعْت مِنْ الْيَمِينِ سَأَلْنَاك لِمَ تَمْتَنِعُ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت لِآتِيَ بِشَاهِدٍ آخَرَ تَرَكْنَاك حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ فَتَأْخُذَ حَقَّك بِلاَ يَمِينٍ أَوْ لاَ تَأْتِيَ بِهِ فَنَقُولَ احْلِفْ‏,‏ وَخُذْ حَقَّك‏,‏ وَإِنْ امْتَنَعْت بِغَيْرِ أَنْ تَأْتِيَ بِشَاهِدٍ أَوْ تَنْظُرَ فِي كِتَابٍ لَك أَوْ لِاسْتِثْبَاتٍ أَبْطَلْنَا حَقَّك فِي الْيَمِينِ‏,‏ وَإِنْ طَلَبْت الْيَمِينَ بَعْدَهَا لَمْ نُعْطِكهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى بِإِبْطَالِهَا‏,‏ وَإِنْ جِئْت بِشَاهِدٍ آخَرَ أَعْطَيْنَاك بِهِ لِأَنَّا إنَّمَا أَبْطَلْنَا حَقَّك فِي الْيَمِينِ لاَ فِي الشَّاهِدِ الْآخَرِ‏,‏ وَلاَ الْأَوَّلِ قَالَ فَإِنْ قَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ مُعَامَلَةٌ أَوْ قَدْ حَضَرَنِي‏,‏ وَإِيَّاهُ مَنْ أَثِقُ بِهِ فَأَسْأَلُهُ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ‏,‏ وَلَمْ أَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ‏,‏ وَإِنْ أَبَى أَبْطَلْتُ حَقَّهُ فِي الْيَمِينِ فَمَتَى طَلَبَ الْيَمِينَ بَعْدُ لَمْ أُعْطِهَا إيَّاهُ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْتهَا‏,‏ وَمَتَى جَاءَ بِشَاهِدٍ آخَرَ أَعْطَيْته بِهِمَا لِأَنِّي لَمْ أُبْطِلْ الشَّاهِدَ إنَّمَا أَبْطَلْت الْحَقَّ فِي الْيَمِينِ

‏(‏قَالَ‏)‏ وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قِيمَتَهَا أَوْ دَمًا أَوْ جِرَاحَةَ عَمْدٍ فِيهَا قَوَدٌ مَا كَانَتْ أَوْ حَدًّا أَوْ طَلاَقًا حَلَفَ الْحَالِفُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَفِي مَسْجِدِهَا أَوْ بِبَلَدٍ فَفِي مَسْجِدِهِ‏,‏ وَأُحِبُّ لَوْ حَلَفَ بَعْدَ الْعَصْرِ‏.‏ وَقَدْ كَانَ مِنْ حُكَّامِ الْآفَاقِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ‏,‏ وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قِيمَتِهَا أَوْ كَانَتْ جِرَاحَةَ خَطَأٍ أَرْشُهَا أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ أُحْلِفَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَجْلِسِ الْحُكَّامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى وَتَوْقِيتُ عِشْرِينَ دِينَارًا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ وَحُكَّامِهِمْ

فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ حَلَفَ ‏"‏ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلاَنِيَةِ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَا فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ عَلَيْك‏,‏ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا‏,‏ وَيَصِفُهُ لَحَقٌّ كَمَا شَهِدَ بِهِ‏,‏ وَإِنَّ ذَلِكَ لَثَابِتٌ لِي عَلَيْك مَا قَبَضْته مِنْك‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ اقْتَضَاهُ لِي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ بِغَيْرِ أَمْرِي فَوَصَلَ إلَيَّ وَلاَ أَبْرَأْتُك مِنْهُ‏,‏ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ‏,‏ وَلاَ أَحَلْتنِي بِهِ‏,‏ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ‏,‏ وَلاَ أَحَلْتُ بِهِ عَلَيْهِ‏,‏ وَلاَ بَرِئْتُ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ‏,‏ وَلاَ صِرْتُ إلَى مَا يُبَرِّئُك مِنْهُ‏,‏ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَى يَوْمِ حَلَفْتُ يَمِينِي هَذِهِ فَإِنْ كَانَ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ شَيْءٍ حَلَفَ بِمَا وَصَفْت فَإِذَا انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ مَا اقْتَضَيْته‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ اقْتَضَاهُ لِي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ اقْتَضَاهُ لِي مُقْتَضٍ بِأَمْرِي‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ وَصَلَ إلَيَّ‏,‏ وَلاَ إلَى غَيْرِي بِأَمْرِي‏,‏ وَلاَ كَانَ مِنِّي فِيهِ‏,‏ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَا يَكُونُ لَك بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ ثُمَّ تُنْسَقُ الْيَمِينُ‏,‏ وَإِنْ حَلَفَ عَلَى دَارٍ لَهُ فِي يَدَيْهِ أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ حَلَفَ كَمَا وَصَفْت‏.‏ وَقَالَ ‏"‏ إنَّ الدَّارَ الَّتِي كَذَا‏,‏ وَيَحُدُّهَا لَدَارِي مَا بِعْتُكهَا‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا‏,‏ وَلاَ وَهَبْتهَا لَك‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا‏,‏ وَلاَ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيْك‏,‏ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْهَا‏,‏ وَلاَ عَلَى غَيْرِك مِمَّنْ صَيَّرَهَا إلَيْك مِنِّي‏,‏ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ‏,‏ وَإِنَّهَا لَفِي مِلْكِي مَا خَرَجَتْ مِنِّي‏,‏ وَلاَ شَيْءٌ مِنْهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أُخْرِجُهَا‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهَا إلَيْك ‏"‏ وَإِنَّمَا أَحَلَفْتَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْمُحَلَّفِ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْرِجُهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَخْرُجُ ذَلِكَ إلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ذِمِّيًّا أُحْلِفَ ‏"‏ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى‏,‏ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْظُمُ الْيَمِينُ بِهِ مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَقٌّ‏,‏ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ‏,‏ وَلاَ يَحْلِفُ بِمَا يَعْظُمُ إذَا جَهِلْنَاهُ‏,‏ وَيَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ مَنْ يَتَوَقَّى هُوَ مَحْضَرَهُ إنْ كَانَ حَانِثًا لِيَكُونَ أَشَدَّ لِتَحَفُّظِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ قَالَ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِمَيِّتٍ فَوَرِثَهُ الْحَالِفُ حَلَفَ كَمَا وَصَفْت عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَقَّ ثَابِتٌ لِفُلاَنٍ عَلَيْك مَا اقْتَضَيْته مِنْك ثُمَّ يُنْسَقُ الْيَمِينُ كَمَا وَصَفْت‏,‏ وَلاَ عَلِمْت فُلاَنًا الْمَيِّتَ اقْتَضَاهُ‏,‏ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ مِنْك‏,‏ وَلاَ أَبْرَأَك مِنْهُ‏,‏ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ‏,‏ وَلَقَدْ مَاتَ‏,‏ وَأَنَّهُ لَثَابِتٌ عَلَيْك إلَى يَوْمِ حَلَفْت بِيَمِينِي هَذِهِ‏.‏ قَالَ‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ بِهَا أَوْ عَلَى رَجُلٍ يَبْرَأُ بِهَا فَبَدَأَ فَحَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ أَعَادَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ حَتَّى تَكُونَ يَمِينُهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ بِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏)‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَالَ‏,‏ فَأَتَى بِامْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ لَهُ عَلَى حَقِّهِ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ الِامْرَأَتَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا الْحُجَّةُ فِيهِ‏؟‏ فَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا كُنَّ لاَ يُجَزْنَ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِيمَا لاَ يَرَاهُ الرِّجَالُ فَهَاتَانِ امْرَأَتَانِ لَيْسَ مَعَهُمَا رَجُلٌ يَشْهَدُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَعَهُمَا رَجُلٌ يَحْلِفُ فَالْحَالِفُ غَيْرُ شَاهِدٍ‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَقَدْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ‏.‏ قِيلَ‏:‏ يُعْطَى بِهَا بِالسُّنَّةِ لَيْسَ أَنَّهُ شَاهِدٌ وَالرَّجُلُ لاَ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ‏,‏ وَلَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْلِفْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَمَنْ قَالَ امْرَأَتَانِ تَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ إذَا كَانَتَا مَعَ رَجُلٍ وَلَزِمَهُ عِنْدِي أَنْ يَقُولَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَخَذَهُ كَمَا يَأْخُذُهُ بِشَاهِدَيْنِ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلاَ أَحْسِبُ أَحَدًا يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ ‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَقَامَتْ شَاهِدًا أَنَّهُ طَلَّقَهَا لَمْ تَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهَا وَقِيلَ‏:‏ ائْتِ بِشَاهِدٍ آخَرَ وَإِلَّا أَحَلَفْنَاهُ مَا طَلَّقَك‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا وَشُهُودٍ وَمَهْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْهَا بِالنِّكَاحِ شَيْءٌ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ قَبْلَهُ‏;‏ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهَا مَا كَانَ الزَّوْجُ يَمْلِكُ مِنْهَا فَتَقُومُ فِي نَفْسِهَا مَقَامَ الزَّوْجِ فِيهَا فِي كُلِّ أَمْرِهِ‏,‏ أَوْ فِي بَعْضِهِ وَالزَّوْجُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُهَا مِلْكَ الْمَالِ فَهُمَا خَارِجَانِ مِنْ مَعْنَى مَنْ حَكَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا حَكَمَ بِهَا لِمَنْ يَمْلِكُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ مِلْكًا يَكُونُ لَهُ فِيهِ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ‏,‏ أَوْ سُلْطَانُ رِقٍّ‏,‏ أَوْ مِلْكٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِمَّا قَدْ مَلَكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَمِمَّا يَمْلِكُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَكَذَا الزَّوْجُ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَيْهَا سُلْطَانُ إبَاحَةِ شَيْءٍ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَ النِّكَاحِ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ عَبْدٌ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ‏,‏ أَوْ كَاتَبَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ سَيِّدُهُ مَالِكَهُ‏;‏ لِأَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ وَلاَ يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الرِّقِّ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِإِنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ‏,‏ فَأَمَّا عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ الْعَبْدِ يُعْتَقُ‏,‏ وَالْمَرْأَةِ تَطْلُقُ‏,‏ وَالْحَدِّ يَثْبُتُ‏,‏ أَوْ يَبْطُلُ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ يَمِينٌ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الْحَالِفُ مَعَ شَاهِدِهِ شَيْئًا كَانَ بِيَدِهِ غَيْرُهُ مِمَّا قَدْ يُمْلَكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَالٌ‏,‏ وَالْمَالُ غَيْرُ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَغَيْرُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ‏,‏ بَلْ هُوَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْآخَرِ فَالْعَبْدُ الَّذِي يَطْلُبُ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالْيَمِينِ عَلَى عِتْقِهِ كَانَ إنَّمَا يُقْضَى لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهَا وَنَفْسُهُ لَيْسَتْ كَغَيْرِهِ فَكَانَ هَذَا خَارِجًا مِنْ مَعْنَى مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَتَى رَجُلٌ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ أَنَّ رَجُلاً أَشْهَدَهُ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلاَنٍ حَقًّا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِشَاهِدٍ آخَرَ فَإِنْ قَالَ أَحْلِفُ لَقَدْ شَهِدَ لِي لَمْ يُحَلَّفْ‏;‏ لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ لَهُ لَيْسَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى أَنْ يُثْبِتَ شَهَادَةَ شَاهِدِهِ وَلَيْسَ الْيَمِينُ عَلَى هَذَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمَالِ بِمِلْكٍ‏.‏

وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا أَنَّ فُلاَنًا‏,‏ أَوْصَى إلَيْهِ‏,‏ أَوْ أَنَّ فُلاَنًا وَكَّلَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ وَلاَ بِالْوَكَالَةِ شَيْئًا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلاَنًا‏,‏ أَوْدَعَهُ دَارِهِ‏,‏ أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ فُلاَنًا قَذَفَهُ بِالزِّنَا لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ بِالْحَدِّ شَيْئًا إنَّمَا الْحَدُّ أَلَمٌ عَلَى الْمَحْدُودِ لاَ شَيْءَ يَمْلِكُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ جَرَحَهُ جِرَاحَةً عَمْدًا فِي مِثْلِهَا قَوَدٌ‏,‏ أَوْ قَتَلَ ابْنًا لَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ بِهَا الْمَالُ دُونَ التَّخْيِيرِ فِي الْمَالِ‏,‏ أَوْ الْقِصَاصِ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَا فَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَالْمَالُ يَمْلِكُهُ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ أَجَلْ وَلَكِنْ لَيْسَ يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَ الْقِصَاصَ مَعَهُ لاَ أَنَّ الْمَالَ إذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ دُونَ الْقِصَاصِ وَلاَ الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا لاَ يَثْبُتُ لَهُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ‏,‏ وَكَانَ الْمَالُ لاَ يُمْلَكُ دُونَ الْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْقِصَاصِ وَهُوَ لاَ يُمْلَكُ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ يَسْوَى أَكْثَرَ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ كَانَ مُخَالِفًا لاََنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَغْرَمُ السَّارِقُ مَا ذَهَبَ لَهُ بِهِ وَلاَ يُقْطَعُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا‏,‏ وَالْقِصَاصِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ فِي السَّرِقَةِ شَيْئَانِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ شَيْءٌ يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْقَطْعُ‏,‏ وَالْآخَرُ شَيْءٌ يَجِبُ لِلْآدَمِيِّينَ وَهُوَ الْغُرْمُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ صَاحِبِهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا‏؟‏ قِيلَ‏:‏ قَدْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ وَلاَ يَسْقُطُ الْغُرْمُ وَيَسْقُطُ الْغُرْمُ وَلاَ يَسْقُطُ الْقَطْعُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ يَسْرِقُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلاَ يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَخْتَلِسُ وَيَنْتَهِبُ فَيَكُونُ بِهَذَا سَارِقًا فَلاَ يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ فِي السَّرِقَةِ فَلاَ يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ‏,‏ وَيَسْرِقُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا الَّذِي يَسْكُنَانِهِ فَلاَ يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ يَسْقُطُ الْغُرْمُ عَنْهُ وَيُقْطَعُ‏؟‏ قِيلَ يَسْرِقُ السَّرِقَةَ فَيَهَبُهَا لَهُ الْمَسْرُوقُ‏,‏ أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْ ضَمَانِهَا فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَيُقْطَعُ فَلاَ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ إنْ سَقَطَ عَنْهُ غُرْمُ مَا سَرَقَ وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ حُكْمَ الْغُرْمِ غَيْرُ حُكْمِ الْقَطْعِ وَأَنَّ عَلَى السَّارِقِ حُكْمَيْنِ قَدْ يَزُولُ أَحَدُهُمَا وَيَثْبُتُ الْآخَرُ وَلَيْسَ هَكَذَا حُكْمُ الْجِرَاحِ الَّتِي لاَ يَجِبُ فِيهَا أَبَدًا مَالٌ إلَّا وَمَعَهُ قِصَاصٌ‏,‏ أَوْ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الْقَوَدِ‏,‏ وَالْعَقْلِ‏,‏ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ سَقَطَ الْآخَرُ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ‏,‏ ثُمَّ عَفَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَإِنْ اخْتَارَ الْعَقْلَ‏,‏ ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِصَاصٌ فَهَذَانِ حُكْمَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ مِنْ صَاحِبِهِ فَلاَ يُشْبِهَانِ الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلاً مِنْ صَاحِبِهِ وَلاَ يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا إنْ بَطَلَ صَاحِبُهُ وَيُشْبِهُ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّرِقَةِ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ بِشَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت غَصَبْت فُلاَنًا هَذَا الْعَبْدَ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ غَصَبَهُ فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْعَبْدِ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَلاَ تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ حَنِثَ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ آخَرُ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ إنَّمَا جَازَ عَلَى الْغَصْبِ دُونَ الطَّلاَقِ وَالطَّلاَقُ لَيْسَ بِالْغَصْبِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَحْلِفُ بِهَا وَحُكْمُ الْأَيْمَانِ غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ‏,‏ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطَّلاَقِ غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏,‏ وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَمْدًا لاَ قَوَدَ فِيهَا بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ عَبْدًا مُسْلِمًا‏,‏ أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا‏,‏ أَوْ مُسْتَأْمَنًا‏,‏ أَوْ يَقْتُلَ ابْنَ نَفْسِهِ‏,‏ أَوْ تَكُونَ جِرَاحَةً لاَ قَوَدَ فِيهَا مِثْلَ الْجَائِفَةِ‏,‏ وَالْمَأْمُومَةِ وَمَا لاَ قِصَاصَ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ قَوَدَ فِيهِ قُبِلَتْ فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ كُلِّهِ مَا كَانَ عَمْدًا مِنْهُ فَفِي مَالِ الْجَانِي وَمَا كَانَ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ رَجُلاً رَمَى رَجُلاً بِسَهْمٍ‏,‏ فَأَصَابَ بَعْضَ جَسَدِهِ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ‏,‏ فَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ‏,‏ أَوْ جَرَحَهُ فَالرَّمْيَةُ الْأُولَى عَمْدٌ‏,‏ وَالْمُصَابُ الثَّانِي خَطَأٌ فَإِنْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى لاَ قِصَاصَ فِيهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَيَحْلِفَانِ مَعَ شَاهِدِهِمَا وَيُقْضَى فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَرْشِ الْأُولَى فِي مَالِ الرَّامِي وَالثَّانِيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ كَانَتْ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ الْقَسَامَةُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ‏,‏ ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ لاَ تَكُونُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي هَذَا‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطَإِ لاَ يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِهِ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فِيهَا عَمْدٌ فِيهِ قِصَاصٌ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ‏;‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ فِيهِ شَيْئًا‏,‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الشَّاهِدَ يَبْطُلُ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يُقَسِّمَ مَعَهُ‏,‏ أَوْلِيَاؤُهُ وَيَثْبُتَ لِصَاحِبِ الْخَطَإِ بِالْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَبِهِ نَأْخُذُ وَهِيَ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْيَمِينِ بِالطَّلاَقِ عَلَى الْغَصْبِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْغَصْبِ

وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةٍ وَابْنِهَا شَاهِدًا أَنَّهُمَا لَهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ وَابْنَهَا لَهُ وُلِدَ مِنْهُ حَلَفَ أَيْضًا وَقُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ‏,‏ وَكَانَتْ وَابْنُهَا لَهُ‏,‏ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَشَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَيَمِينِهِ

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدٌ بِأَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَيْهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ‏,‏ وَكَانَتْ الدَّارُ صَدَقَةً عَلَيْهِ كَمَا شَهِدَ شَاهِدُهُ‏,‏ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَيْهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ مَوْقُوفَةً فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلاَدِهِمْ‏,‏ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ حَلَفُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ‏,‏ فَمَنْ حَلَفَ ثَبَتَ حَقُّهُ لَهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا بَالُ الرَّجُلِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ دَارًا وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ‏,‏ ثُمَّ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ بَعْدَهُمْ أَحَلَفْته وَأَثْبَتَ حَقَّهُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَوَاهُ ثَبَتَ حَقُّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّهِ قِيلَ لَهُ‏;‏ لِأَنَّا أَخْرَجْنَا الدَّارَ مِنْ مِلْكِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ بِيَمِينِ مَنْ شَهِدَ لَهُ فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ لِثَلاَثَةٍ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ شَيْئًا‏;‏ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِذَا حَلَفُوا مَعًا فَأُخْرِجَتْ الدَّارُ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مَنْ حَلَفَ فَكَانَتْ بِكَمَالِهَا لِمَنْ حَلَفَ حَيَاتَهُ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فِيهَا لَهُمْ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وَقَفَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتُوا يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ لَهُمْ فِيهَا‏,‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَحَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِهَا فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ لِوَارِثِهِ بَعْدَهُ وَلاَ يَمِينَ عَلَى الْوَارِثِ‏;‏ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى فِيهَا بِيَمِينِ الَّذِي أَقَامَ الشَّاهِدُ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْ الَّذِي حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِنْ حَلَفَ أَخُوهُ فَهِيَ عَلَيْهِمَا مَعَهُ‏,‏ ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِنْ أَبَى أَخَوَاهُ أَنْ يَحْلِفَا فَنَصِيبُهُ مِنْهَا وَهُوَ الثُّلُثُ صَدَقَةٌ كَمَا شَهِدَ شَاهِدُهُ‏,‏ ثُمَّ نَصِيبُهُ بَعْدُ مِنْهَا عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَخَوَيْهِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ نَحْنُ نَحْلِفُ عَلَى مَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ الِاثْنَانِ فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ مَالِكُونَ حِينَ كَانُوا إذَا حَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ مِلْكَهُ إذَا مَاتَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ‏;‏ لِأَنَّ السُّنَّةَ‏,‏ وَالْآثَارَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِلْكٌ صَحِيحٌ إذَا أَخْرَجَ الْمُتَصَدِّقُ مِنْ مِلْكِهِ أَرْضَهُ صَدَقَةً عَلَى أَقْوَامٍ بِعَيْنِهِمْ‏,‏ ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ فَمَلَكَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ مَا مَلَّكَهُمْ الْمُتَصَدِّقُ كَمَا مَلَّكَهُمُوهُ فَهَذَا مِلْكٌ صَحِيحٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا قَضَيْنَا بِأَنَّ مِلْكَ الْمُتَصَدِّقِ يَتَحَوَّلُ إلَى مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ كَمَا مَلَّكَهُمْ فَهَذَا تَحْوِيلُ مِلْكِ مَالٍ إلَى مَالِكٍ يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْمَالِ يُبَاعُ مَا صَارَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ غَلَّتِهِ وَيُوهَبُ وَيُورَثُ وَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا أَسْكَنُوا فِيهِ مَنْ أَحَبُّوا‏,‏ أَوْ أَكْرُوهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ فُلاَنًا تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَفُلاَنٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ حَدَثَ لِلْمُتَصَدِّقِ مِنْ وَلَدٍ صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَقَالَ أَحَدُ الْقَوْمِ أَنَا أَحْلِفُ وَأَبَى الْآخَرَانِ قُلْنَا فَإِذَا حَلَفْت جَعَلْنَا لَك ثُلُثَ هَذِهِ الصَّدَقَةِ‏,‏ ثُمَّ كُلَّمَا حَدَثَ مَعَك وَلَدٌ وَاحِدٌ وَقَفْنَا لَهُ الثُّلُثَ الْآخَرَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْك‏,‏ ثُمَّ إنْ حَدَثَ آخَرُ وَقَفْنَا لَهُ الثُّلُثَ الْآخَرَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْك وَلاَ يُوقَفُ لِلْحَادِثِ قَبْلَهُ فَإِنْ حَدَثَ آخَرُ نَقَصْنَاك وَكُلَّمَا حَدَثَ وَلَدٌ بَعْدَ الْوَلَدَيْنِ اللَّذَيْنِ يُوقَفُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ حَتَّى تُسْتَكْمَلَ الدَّارُ انْتَقَصْتَ مِنْ حَقِّك وَانْتَقَصَ كُلُّ مَنْ كَانَ مَعَك مِنْ حُقُوقِهِمْ‏;‏ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ تُصُدِّقَ عَلَيْك‏,‏ فَمَنْ حَلَفَ مِنْ الْكِبَارِ كَانَ عَلَى حَقِّهِ وَمَنْ بَلَغَ فَحَلَفَ كَانَ عَلَى حَقِّهِ وَمَنْ أَبَى بَطَلَ حَقُّهُ وَتُوقَفُ غَلَّةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَتَّى يَبْلُغُوا فَيَحْلِفُوا فَتَكُونَ لَهُمْ‏,‏ أَوْ يَأْبُوا فَيَرُدَّ نَصِيبُهُمْ مِنْهَا عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ مَعَهُمْ وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَى ثَلاَثَةٍ‏,‏ ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ فَحَلَفَ وَاحِدٌ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ وَبَطَلَ الثُّلُثَانِ فَصَارَا مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ تَكُونُ دَارٌ شَهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مَوْقُوفَةٌ مُحَرَّمَةٌ بَعْضُهَا مِيرَاثٌ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ فَإِنَّهَا لَوْ وُقِفَتْ عَلَى عَشَرَةٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْعُشْرُ‏,‏ فَمَنْ حَلَفَ أَخَذَ حَقَّهُ وَمَنْ أَبَى لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ وَقْفًا كَانَ مِيرَاثًا عَلَى الْأَصْلِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ عَشَرَةٌ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى لَهُمْ بِدَارٍ فَحَلَفَ وَاحِدٌ فَلَهُ عُشْرُهَا فَإِنْ أَبَى التِّسْعَةُ رَجَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مِيرَاثًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ فَحَلَفَ وَاحِدٌ وَأَبَى اثْنَانِ كَانَ نَصِيبُهُمَا مِيرَاثًا‏,‏ وَكَانَ الثُّلُثُ صَدَقَةً عَلَى وَاحِدٍ فَإِنْ قَالَ هِيَ صَدَقَةٌ عَلَى الثَّلاَثَةِ‏,‏ ثُمَّ عَلَى أَبْنَائِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فَحَلَفَ وَاحِدٌ جَعَلْنَا ثُلُثَهَا لَهُ وَأَبَى الِاثْنَانِ فَجَعَلْنَا نَصِيبَهُمَا مِنْهَا مِيرَاثًا وَهُوَ الثُّلُثَانِ‏,‏ ثُمَّ حَدَثَ لَهُمَا وَلَدَانِ وَمَاتَا وَقَفَ لَهُمَا نَصِيبَهُمَا حَتَّى يَبْلُغَا فَيَحْلِفَا‏,‏ أَوْ يَمُوتَا فَيَحْلِفَ وَارِثُهُمَا فَإِنْ أَبَى وَارِثُهُمَا رُدَّ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِنَّمَا يُوقَفُ لِلْمَوْلُودِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إذَا مَاتَ أَبُوهُ‏,‏ أَوْ مَنْ جُعِلَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ بَعْدَهُ فَإِنْ وُلِدَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ‏,‏ أَوْ مَنْ جُعِلَتْ لَهُ الصَّدَقَةُ بَعْدَهُ لَمْ يُوقَفْ حَقُّهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمَا‏;‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ بِمَوْتِهِمَا‏,‏ فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ قَبْلُ‏,‏ أَوْ يُولَدُ‏,‏ أَوْ يَمُوتُ مَنْ قَبْلِهِ فَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ مِنْهَا شَيْءٌ‏;‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْحَقُّ يَوْمَ يُولَدُ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ قَبْلَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ أَنَّ فُلاَنًا تَصَدَّقَ عَلَى فُلاَنٍ وَوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مَا تَنَاسَلُوا هُمْ فِيهَا سَوَاءٌ فَحَلَفَ رَجُلٌ مَعَ شَاهِدِهِ كَانَ لَهُ مِنْهَا بِقَدْرِ عَدَدِ مَنْ مَعَهُ‏,‏ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِيهَا عَشَرَةٌ فَيَكُونَ لَهُ عُشْرُهُ فَكُلَّمَا حَدَثَ وَلَدٌ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّدَقَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ وَوُقِفَ حَقُّ الْمَوْلُودِ حَتَّى يَحْلِفَ فَيَسْتَحِقَّ‏,‏ أَوْ يَدَعَ الْيَمِينَ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ وَيُرَدَّ كِرَاءُ مَا وُقِفَ مِنْ حَقِّهِ عَلَى الَّذِينَ اُنْتُقِصُوا حُقُوقَهُمْ مِنْ أَجْلِهِ سَوَاءٌ بَيْنَهُمْ كَأَنَّهُ وَقَفَ لِاثْنَيْنِ حَدَثَا سُدُسَ الدَّارِ وَأَكْرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَا فَلَمْ يَحْلِفَا‏,‏ فَأَبْطَلْنَا حُقُوقَهُمَا وَرَدَدْنَا الْمِائَةَ عَلَى الْعَشَرَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُهُ فَإِنْ مَاتَ مِنْ الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ قَبْلَ بُلُوغِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ فِي نِصْفِ عُمُرِ اللَّذَيْنِ وُقِفَ لَهُمَا فَإِنْ بَلَغَا‏,‏ فَأَبَيَا الْيَمِينَ فَرُدَّ نَصِيبُهُمَا عَلَى مَنْ مَعَهُمَا رُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ فَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مَا اسْتَحَقَّ مِمَّا رُدَّ عَلَيْهِ‏,‏ وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَتُرَدُّ الْخَمْسَةُ عَلَى التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ يُعْطَى كُلُّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ بَطَلَ مَا وُقِفَ لَهُمَا‏.‏ فَإِنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِي أَبٍ مَعْرُوفِينَ يُحْصَوْنَ فَالْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا وَصَفْت تَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ بِقَدْرِ عَدَدِهِمْ قَلُّوا‏,‏ أَوْ كَثُرُوا‏,‏ وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى بَنِي أَبٍ لاَ يُحْصَوْنَ أَبَدًا‏,‏ أَوْ عَلَى مَسَاكِين وَفُقَرَاءَ فَقَدْ قِيلَ‏:‏ فِي الْوَصِيَّةِ يُوصَى بِهَا لِفُلاَنٍ لِقَوْمٍ يُحْصَوْنَ هُوَ كَأَحَدِهِمْ وَقِيلَ‏:‏ فَإِنْ أَوْصَى بِهَا لَهُ وَلِبَنِي أَبٍ لاَ يُحْصَوْنَ‏,‏ أَوْ مَسَاكِين لاَ يُحْصَوْنَ فَلَهُ النِّصْفُ وَلَهُمْ النِّصْفُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَهَذَا أَمْرٌ تَخِفُّ فِيهِ الْمُؤْنَةُ وَيَسْهُلُ فِيهِ الْجَوَابُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ‏,‏ وَلَوْ كَانَ يَصِحُّ قِيَاسًا‏,‏ أَوْ خَبَرًا أَعْطَيْنَاهُ النِّصْفَ وَجَعَلْنَا النِّصْفَ عَلَى مَنْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ مَعَهُ مِمَّنْ لاَ يُحْصَى وَلَكِنْ لاَ أَرَى الْقِيَاسَ فِيهَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ إذَا تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ وَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُمْ لاَ يُحْصَوْنَ جَائِزَةً إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَاحْلِفْ فَكُنْ أُسْوَةَ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ حَلَفَ أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ وَأَحْلَفَ مَنْ مَعَهُ فِي الصَّدَقَةِ‏,‏ ثُمَّ حَاصَّ مَنْ قَسَمْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا زَادَ الْفُقَرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ أَوْ نَقَصُوا حَاصَّهُمْ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إذَا كَانَ شَرَطَ السُّكْنَى سَكَنَ كُلُّ فَقِيرٍ فِي أَقَلِّ مَا يَكْفِيه إنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ قَالَ يَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِلاَ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأَصَحُّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ‏,‏ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ أَقُولُ‏,‏ أَنَّ السُّكْنَى مِثْلُ الْغَلَّةِ فَإِذَا ضَاقَ السَّكَنُ اصْطَلَحُوا‏,‏ أَوْ أَكْرُوا وَلَمْ يُؤْثَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالسَّكَنِ عَلَى صَاحِبِهِ وَكُلُّهُمْ فِيهِ شَرَعَ‏.‏ وَإِذَا كَانَتْ غَلَّةٌ‏,‏ أَوْ شَيْءٌ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ فَلاَ يُعْطَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى الْآخَرُ‏,‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إذَا لَمْ يُسَمِّ فُقَرَاءَ قَبِيلَةٍ فَهُوَ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ قِيَاسًا عَلَى الصَّدَقَاتِ الَّتِي يُعْطَاهَا جِيرَانُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الصَّدَقَةُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَبِهِ أَقُولُ إذَا كَانَ قَرَابَتُهُ جِيرَانَ صَدَقَتِهِ فَإِنْ جَازَتْ فِيهَا الْأَثَرَة لِبَعْضِ الْجِيرَانِ دُونَ بَعْضٍ كَانَتْ لِذَوِي قَرَابَةِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَجِيرَانُ الصَّدَقَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدَهَا فَيَخْرُجَانِ مِنْ يَدِهِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْحَالِفِ وَيَكُونُ الِابْنُ ابْنَهُ وَيَخْرُجُ مِنْ رِقِّ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ يَسْتَرِقُّهُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ‏,‏ فَأَعْتَقَهُ‏,‏ ثُمَّ غَصَبَهُ إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ حَلَفَ‏,‏ وَكَانَ هَذَا مَوْلًى لَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رحمه الله تعالى فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَلَيْسَ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعَبْدِ يُقِيمُ شَاهِدًا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ‏;‏ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْخُصُومَةُ كَمَا وَصَفْت فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ‏,‏ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي يَتَنَازَعُ فِيهِ الْمَشْهُودُ لَهُ‏,‏ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَالنَّسَبُ‏,‏ وَالْوَلاَءُ شَيْئَانِ يَصِيرُ لِصَاحِبِهِمَا بِهِمَا مَنْفَعَةٌ فِي غَيْرِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُمْلَكُ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ لِلْخَصْمِ فِي غَيْرِ نَفْسِهِ‏,‏ وَالْمَمْلُوكُ لاَ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ غَيْرِ نَفْسِهِ‏.‏